رحلتي مع الجلاد ... الحلقة الاولى / البداية في السماوة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

تأليف السيد سعد العذاري الحسيني السماوي

                                                                 تقديم إحســان ديبـس السماوي

                                                                Ihsan_67@hotmail.com

 

تمهيـد

ــــــــــ

الشعوب عصا الحكام , يضربونها ويضربون بها , وفي الحالتين كانت الشعوب مكسر العصا , وعلى هذا دُرج الشعب العراقي في قائمة الشعوب العربية الاسلامية المضطهدة , والتي توالى على حكوماتها مجموعة من الطغاة وحكام الجور , اذاقوا شعوبهم أصناف العذاب والوان المهانة , كل ذلك حربا  ومجابهة لمبادئ الدين الاسلامي الحنيف .

فبدءا ً من العصرين الاموي والعباسي , مرورا ً بالكثير من الغزاة والطامعين وصولا ً إلى النظام (  العفلقي )  الصدامي المجرم , كانت اسوار العراق الكبيرة بكل عراقتها , قضبانا حديدية تقف بوجه الائمة الاطهار وكل الاحرار .

فمن سجن الامام موسى بن جعفر ( ع ) رسم التاريخ صورة السجن العراقي كسجن للعالم الاكبر . وعلى درب الحجاج بن يوسف الثقفي  ( لعنه الله ) , سار آخر طغاة العراق ( صدام ابن أبيه )  , فباشر منذ الاشهر الاولى لإستيلائه على السلطة بتنفيذ ما يرضي غروره وإجرامه , من قتل وسجن وإبعاد. وهكذا استشهد المرجع الجليل والمفكر الكبير الشهيد السعيد محمد باقر الصدر وأخته العلوية الفاضلة بنت الهدى, ليعيد صدام فتح السجون المظلمة والمطامير المرعبة , فكان الآلاف من أفراد الشعب العراقي شهداء على مذبح الحرية , وعشرات الآلاف مسجونين على درب الحقيقة , وملايين المهجرين في سبيل اعلاء كلمة لا إ له إلا الله .

 

جذور الولاء

ـــــــــــــــــــــ

البداية كانت في مدينة السماوة *, منطقة الشرقي , حيث بدأت نشأتي وتربيتي الولائية في ظل والدي

( رحمه الله ) , وأحضان والدتي , ومن خلال هذين الشخصين الحبيبين غـذّيت أوليات الدين وحب ائمتي ( ع )

فالوالدان هما الأصل في تربية الأبناء , وجعلهم صالحين في المجتمع , حيث يقول الشاعر :

 

لا عذ ّب الله امي إنها شربت              حــــب الوصي وغـذ ّ تنيــه باللبــــن ِ

وكان لي والد يهوى ابا حسنٍ             فصرت من ذي وذا أهوى أبا حســن ِ

 

وحينما أصبح عمري ستة اعوام , وتحـديدا ً في العام الدراسي 1969 – 1970  كان المعلم في الصف الإبتدائي الأستاذ حســين عليوي يعلـّم تلاميذه الصغار – وكنت بينهم – كيفية الوضوء والصلاة وما زلت أتذكره وهو يصطحب معه إبريق الماء وسجادة الصلاة ويشرع بتعليمنا , ولا شك أن أسلوبه هذا كان يـرسـّخ هذه الفريضة المقدسة في أذهاننا كالنحت في الحجر , فاستفدت من تلك الدروس أعظم فائدة , فبدأت أصلي منذ تلك الايام , ولا أنسى ايضا تلك العبارات التي كان يلقيها علينا الاستاذ ( حبيب ) معلم التربية الدينة – وقتذاك – وكنا نردد معه : " الله ربنا , محمد نبينا , الإسلام ديننا , القرآن كتابنا , الكعبة قبلتنا , وهكذا ... فبقيت هذه العبارات في وجداني , وغـُرست في قلبي , وأخذت مأخذها مني .

كما لا تمحى من ذاكرتي تلك الضربات الموجعة التي تلقيتها من احد المعلمين على ظاهر كفي احد عشرة ضربة وكان عمري وقت ذاك لا يتجاوز السادسة , بعد ان تغيبت من المرسة ليوم أو يومين على وجه التحديد والسبب كان ذهابي مع والدي لزيارة الإمام الحسين ( ع ) في يوم الاربعين, ولكن هذه الضربات لم تكن تؤثر في فرحتي البالغة التي غمرتني من تلك الزيارة, ولم تكن تلك الضربات لتخفف من سعادتي وأنا محمول على كتفي والدي ( رحمه الله ) , حتى وصلت الى الضريح الشريف لسيد الشهداء ( ع ) وقبـّلته بصعوبة بالغةبسبب الزحام الشديد .

ولطالما رافقت والدي الحبيب في صغري الى تلك المجالس الرمضانية والعاشورية التي كانت تقام في مديني

" السماوة " وما زلت اتذكره وهو يضع على رأسي الصغير عمامة خضراء ويزجني في مواكب العزاء

" الدســتات " التي كانت تنطلق من منطقة الشرقي وغيرها من مناطق السماوة مارّة بالسوق الكبير ومتجهة إلى مقام إبن الحسن ( ع ) .

فكنت اعيش مع بقية من محبي اهل البيت جوا ً خاصاً معطرا ً بالمحبة الصادقة والحزن العميق على مصائب أهل البيت ( ع ) في عاشوراء . وكنت أحزن مرة أخرى على انقضاء تلك اليام العظيمة التي كنت أنتظر قدومها بفارغ الصبر وبلهفة شديدة لما تحمله من معاني الولاء لرسول الله وآله الأطهار ( ع ) .

 

وكثيرا ً ما كنت اشارك في المآتم التي كان يقيمها أقراني من أبناء المحلة بمناسبة ذكرى استشهاد ألامام الحسين ( ع ) حيث كنت أقرأ " اللطميات " في ذلك السن المبكر , وفي احدى السنين قرأت قصيدة اعطتني أياها خالتي ( رحمها الله ) فكانت تلك القصيدة سببا ً في تهديم تلك التكية التي نصبناها في أيام عاشوراء لما تضمـّنتها من أبيات مناهضة للسلطات العفلقية الظالمة التي منعت في تلك السنة إقامة الشعائر الحسينية , وكان مطلع تلك القصيدة :

 

                      ننشـد على مضمونـه                        ليـش العـَزه يمنعـونه

                     منعوا عزانـه الأشـرار           نندب يبن حامي الجار

                                     ليـش العــزه يمنعـونـه

 

قصـيدة من الشعر تكون سببـا ً في منع إقامة الشعائر الحسينية , فما بالك بمن يكتب ويتكلم ويسير على نهج الحســين ,  وينتفض كما انتفض الحسـين .

 

انتفاضـة صفـر عام  1977 في كربلاء ,  وانتفاضة رجـب عام 1979 في النجف وبعض المدن العراقية  وما حدث خلالهما هو محور حديثنا في الحلقة القادمة فترقبوا ذلك .

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*السماوة لمن لا يعرفها , هو ذلك القضاء المتصف بالشوكة والعزة والقوة أعجز الاوائل والأواخر , شموس لم يسلس الانقياد لذوي السلطة حتى اعجزته واعجزها , وكانت هذه المدينة خاضعة للسلطات العثمانية أكثر من اربعة عشر عاما , وهي تقع في الجنوب الغربي من العراق  على ضفاف نهر الفرات , وكانت في السابق محافظة قائمة , وقد تداولتها الايدي  الكثيرة , فمن خزاعة الى الملتزمين الاخرين من البيكَوات إلى رؤساء المنتفك , ثم رؤساء الخزاعل , ثم رؤساء المنتفك آل سعـدون , ومن ايديهم إنتزعته الدولة العثمانية التركية اواخر عام 1269 هجرية , 1852 ميلادية , والحقته بمحافظة الديوانية وبنيت فيه القلعة العظيمة على الجانب ألايسر من الفرات ( الخناق ) , وكان أول قائمقام في السماوة للدولة التركية العثمانية هو  السـيد علاوي إبن السيد حسـن إبن السيد مهدي إبن عم السادة آل أبو طبيخ , ولها موقعان , ألأول يقع على مجرى نهر العطشان القديم جنوب السماوة الحالية , ولما انقطع الماء عن نهر العطشان وبتحول مجرى نهر الفرات اظطر أهالي السماوة للرحيل عنها الى المحل الحالي وتوطنوه حوالي منتصف القرن الثاني عشر الهجري .

  • راجع كتاب تاريخ الديوانية قديما وحديثا صفحة 150