رحلتي مع الجلاد ... الحلقة الثانية / إنتفاضتي صفـر ورجب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

تأليف السيد سعد العذاري الحسيني السماوي

                                                                 تقديم إحســان ديبـس السماوي

                                                                Ihsan_67@hotmail.com

 

 

إنتفاضة صــفر

ـــــــــــــــــــــــــــ

في تلك الأجواء المفعمة بالولاء الفطري .. نشأت ُ وترعرعت ُ , ومن تلك المناسبات العطرة بحب أئمتي المعصومين ( ع ) إستلهمت معاني الولاء الصادق وتعلمت دروس الاباء الحسيني , حتى جاء يوم العشرين من صفر عام 1397- هجرية الموافق لعام 1977 ميلادية حينما كنت قاصدا زيارة سيد الشهداء الامام الحسين

 ( ع )  في يوم الاربعينية , حيث لاحت أمام ناظري تظاهرة جماهيرية عارمة , كانت تطوف شوارع كربلاء ومتجة الى حرم الإمام الحسين ( ع ) وهي تهتف بشعارات ثورية منددة بالنظام العفلقي الجائر, ومن شعاراتها هذا الشعار الخالد :

          لو قطـّعـوا أرجلنا واليـديـن                نأتيك زحفـا ً سـيدي يا حســين

 

وكان يتقدم التظاهرة أحد المؤمنين حاملا ً لافتة مناهضة للنظام البعثي العفلقي مكتوبـا ً عليها :

 

        قــدم النجـف أربـع فدائــية                   شرطـة البعـث شرطة جبانية

 

وقد التقيت بهذا المجاهد في سـجن أبي غريب بعـد أربعة اعوام من هذا الحدث , ومما أثار أحزاني وأجج سخطي على العصابة العفلقية الحاكمة منظر مؤلم لأحد المتظاهرين . وهو يحمل قميصا ً بالدم لصبي أستشهد في تلك المسيرة الثورية الحسينية , وذلك حينما وقت صدامات بين زوار الحسين ( ع ) القادمين من النجف لكربلاء سيرا ً على الأقدام, وبين جلاوزة السلطة الغاشمة في منطقة " خان النص " الواقعة بين النجف الاشرف وكربلاء المقدسة , فما لبثت ان شاركت في هذه التظاهرة , وضممت صرختي الى جاني تلك الصرخات الثائرة المدوية , وكان عمري آنذاك لا يتجاوز الثالثة عشر عاما , فاعتقلت في ذلك اليوم , وأطلق سراحي بعد ساعات لصـغر سـني .

 

إنتـفاضـة رجـب

ـــــــــــــــــــــــــــ

سرت قدما في هذا الطريق حتى عام 1979 , حينما انتصرت الثورة الاسلامية في إيران , ونسف عرش طاغية إيران ¸ الشاه المقبور ... وعاد الى إيران مفجـّر الثورة وقائد الامة الإمام روح الله الموسوي الخميني

( قدس سره )  , فكان ذلك العام عام  الإنطلاق للمؤمنين المجاهدون في عراق الثورات والمقدسات وقائد الثورة هو المفكر الإسلامي والمرجع الديني الأعلى السيد محمد باقر الصدر ( قدس سره ) .

ولكن الزمرة العفلقية الحاكمة في بغداد إستفادت من درس إيران فقامت باعتقال العديد من العلماء والشباب المؤمن , ووضعت السيد الشهيد الصدر تحت الاقامة الجبرية , ثم أعتقل ونقل الى بغداد وكان ذلك في يوم 17 رجب 1399 هجرية , أي صيف عام 1979 ميلادية .

اثر ذلك قامت إنتفاضة عارمة في شوارع مدينة النجف , كما انطلقت في بعض المدن العراقية الاخرى تظاهرات جميعها تندد بالنظام العفلقي الحاكم وتستنكر إعتقال السيد الشهيد محمد باقر الصدر ( قدس سره) تطالب بالإفراج عنه ....

 

وكانت مدينة السماوة من بيت تلك المدن الثائرة حيث إنطلقت تظاهرات تنديد واحتجاج من الجامع الكبير في منطقة الشرقي , مرورا بالسوق الكبير , حتى وصلت الى بيت العلامة المجاهد حجة الإسلام والمسلمين الشهيد ( الشيخ مهدي السماوي ) * بعـد أن ألقى الشهيد محمود السماوي أمام المتظاهرين خطابا ً ندد فيه بالسلطة العفلقية الغاشمة وعلى مسمع ومرأى من جلاوزة النظام العفلقي مما أدى إلى اعتقال الشيخ مهدي السماوي والدكتور محمود السماوي ** حيث لم يلبثا في الاعتقال إلا يسيرا ً, وبعدها التحقا بقافلة الشهداء , كما أعتقل ايضا في هذه الاحداث الرجل الكبير في عقله وجهاده السيد عمران الموسوي ***  الذي بصق في وجه مدير أمن السماوة وقتذاك, واعتقل معه قاسم محمد عبادة حيث اعدم على أيدي جلاوزة النظام العفلقي المجرم , كما اعتقل عدد كبير من الشباب المؤمن في تلك التظاهرة, فنمت في روحي معاني الثورة والجهاد لما شاهدته وسمعت به مما حل ّ بهؤلاء الأبطال وهم يطالبون  بإقامة حكم العدل , فهذا  ذنبه في نظر الطغاة .

كل هذه الاحداث المتلاحقة الساخنة جعلتني اتخذ قراري عن قناعة راسخة بسـمّو المبدأ وسلامة المنهج , فكان القرار هو المشاركة في هذه الثورة المباركة , ولا تهمني النتائج ما دام قراري هذا يرضي الله عزوجل ويقر عين بقيـّة الله في ارضه ألإمام المهدي المنتظر (ع ) .

فصرت اتردد على مسجد ٍ في منطقة الشرقي " مسجد حاج موسى " في مدينة السماوة وكنت التقي بعض الاخوة المؤمنين ممن هم اكبر مني سنا ً , فكنت ارافقهم دائما ًَ في زيارتهم العامة و الخاصة , وأتخلق بأخلاقهم الإسلامية التي تلقـّوها من العلماء المخلصين الذين لم يكونوا مهتمين  بهذه الدنيا ومتاعها اكثر من عيش الكفاف .

وقدوتهم في ذلك بعد أئمتهم ( ع ) إستاذهم الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر الذي تشرّفت بزيارته مع بعض ممن قاموا فيما بعد بزيارته لتجديد البيعة **** بالولاء والطاعة , والعهد على مواصلة الثورة تحت ظل مفجر الثورة الاسلامية في العراق السيد الشهيد محمد باقر الصدر ( قدس سره )  .

 

هكذا هم الرجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .

 

 وحلقتنا القادمة ستروي لكم نبذة مختصرة جدا ً لحياة علم من اعلام هذه الدنيا ورجل من رجالها  , شاعر واديب وعالم انجبته ارض السماوة , لا يذكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر حتى ذكر من رجاله , ولا تذكر ثورة ما حتى يكون اسمه سابق الاسماء , رجل لا يهاب الموت والموت يهابه , وقف صامدا امام محافظ المثنى المجرم شهيد كَاطع العلي  بعد ان وجه اليه المجرم كلمات قال له فيها ( هل تطمح ايها الاعمى ان تكون رئيسا للجمهورية ) فأجابه الشيخ فورا وبكل عزم بعد ان فقد بصره اثناء التعذيب ( انت ورئيسك ورئاسة الجمهورية لا تعادلون عندي هذا الاصفر ) وكان يشير الى نعله ... فتــرقبـوا معي الحلقة القادمة عن حياة الشهيد الشيخ مـهـدي الســماوي .

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

*      عنوان الحلقة القادمة .

**    الدكتور محمود شاكر السراج : وهو من اهالي مدينة السماوة , خريج كلية الطب البيطري ومن الشباب المؤمن المثقف بالثقافة الاسلامية الواعية, وكان ذا أخلاق عالية , إستطاع من خلال التبليغ الى الاسلام وهداية الكثير من الشباب في السماوة الى طريق الصلاح والاستقامة , وساعد على ذلك تاسيسه لفريق كرة قدم في حقيقته مدرسة لتعليم الاخلاق الاسلامية .

 

***   السيد عمران الموسوي السماوي : من مواليد مدينة السماوة عام 1920 نشأ في اوساط اسرة موالية لاهل البيت ( ع) وهو من اسرة علوية , تميز بحب خدمة أبي عبد الله الحسين ( ع ) حيث كان من ضمن نشاطاته الحسينية , إدارته لاحد المواكب الحسينية في مدينة السماوة , منطقة الشرقي , وهو معروف بجرأته  وشجاعته الفائقة حيث بقي صامدا ً في إقامة الشعائر الحسينية في الوقت الذي تصدر فيه قرارات منعها من قبل السلطة الجائرة في عراق الحسين ( ع ) .

 

**** كان ذلك في رجب من عام 1399 هجري الموافق 1979 ميلادي تقاطرت وفود البيعة وهي تضم قطاعات واسعة وكبيرة من ابناء الشعب العراقي المسلم وخاصة الشباب المثقف الواعي منهم , يطالبون السيد الشهيد محمد باقر الصدر بالبقاء معهم وعدم مغادرة العراق , وتحولت هذه الوفود في فترة زمنية قصيرة من وفود للمطالبةببقاء السيد  الشهيد في العراق الى وفو د لمبايعتهومبايعة الامام الخميني , وكانت معظم هذه الوفود تردد الشعارات والهتافات الاسلامية , ومنها :

 

               عــاش عـاش عـاش الصدر        والدين دومــاً منـتـصـر

               باسـم الخـميني والصــــدر       الإسلام دومــا ً منـتصـر

 

فكانت من المدن التي شاركت بالبيعة هي مدينة السماوة الثائرة بزعامة حجة الاسلام والمسلمين الشهيد الشيخ مهدي السماوي مع ثلة من الشباب المثقف الواعي , وعند دخولهم الى بيت السيد الشهيد الصدر قام اليهم مرحبـا ًُ وقائلا ً " اهلا ً بأهل السماوة , اهل السمو والرفعة " كما قال لوفد مدينة البصرة " يا أهل البصرة لقد غسلتم عار الجمل " وكما قال لوفد مدينة الثورة " ستنطلق الثورة من الثورة " وقد قال ايضا ً لوفد مدينة الخالص " يا أهل الخالص لقد اخلصتم الى الله ورسوله "