احتفاليتي بالجواهري الكبير نموذج رقم 7
قصيدة الجواهري : أي طرطرا تطرطري
خلدون جاويد

" ان أخا طرطر من كل المقاييس بري "

بهذا الاستنتاج الساخر قارع أبو فرات محمد مهدي الجواهري – شاعر العرب الأكبر
جملة من الظواهر الاجتماعية والسياسية ، والقصيدة " طرطرا " من وحي ظروف متخلفة
تم خلالها تطبيق مرسوم صيانة الامن العام ، وسلامة الدولة رقم 56 لعام 1941 على
جريدة الرأي العام وذلك في اليوم الأول من شهر آب 1945 التي عطلت بموجبه قرابة
شهرين .
فما الذي بقي من طرطرا في ايامنا هذه ؟ لقد بقيت طرطرات كثيرة اولها التعسف
الشنيع بحق السلام الاجتماعي في الوطن الجميل ، وقد كان قبله الاحتراب التحزبي
الذي انهك الشعب بسفك الدم والسجون والمقابر الجماعية والتهجير والتشريد . انه
صراع لايمت الى (نبل القراع ) على حد تعبير الجواهري فهناك شعب اعزل امام قوة
غير عاقلة تحركها الرغبة الجهنمية للدكتاتورية في تركيع الانسان وارتهان الارض
وبالتالي فهو شعب مفجوع بالحرب ، وما السلم الا فترات جوع ومرض وليل اسود نهب
السرقات والاستحواذ غير الشريف على ابسط الملكيات .
أمام هكذا طرطرة شنيعة ، تجيئ المفارقات المضحكة : يقول أبو فرات ولقصيدته
الخالدة صلة بالامس البعيد والقريب :

أي طرطرا تطرطري
تقدمي ، تأخري
تشيعي تسنني
تهوّدي ، تنصّري
تكرّدي ، تعرّبي
تهاتري بالعنصر ِ
تعممي تبرنطي
تعقلي تسدّري

ان الابيات تفضح ارتباكنا الشائن وتخبطنا اللآمتناهي في تقديس قناعاتنا كل على
حدة ، وخطل افراحنا بما لدينا " كل قوم بما لديهم فرحون " فكل منا لم يرتق بعد
الى احترام قناعات الآخر ، الاحترام على الأقل ، والاقرار بحق وجود الآخر كفئة
أو طائفة او قومية او حزب او دين الخ .... ورحم الله المعري القائل :

في اللآذقية ضجة
ما بين أحمد والمسيح
هذا بناقوس يدق
وذا بمأذنة يصيح
كل يعظم دينه
ياليت شعري ما الصحيح ؟

ولكم كنت أتمنى لو ان شيخ المعرة النبيل قد أجاب على السؤآل ولم يتركه مفتوحا
على عقولنا التي هرسها التحزب والتطرف في الانتماء ، لأنه في واقع الحال لم تجر
ِ الاجابة على تشرذمنا السياسي بجبهة الانقاذ العام للوطن والتحام كل فصائل
النضال . ان تنصل او ابتعاد او ابعاد أي فصيل تهمه قضية السلام الاجتماعي هو
اخلال بمبدأ الديموقراطية .
واذا ابعدنا لغة السلاح والتفجيرات جانبا وتحدثنا عن مقاربات سلمية ، نتشبث بما
عند الآخرين من تجارب قد تكون مفيدة الآن او لاحقا في سيرتطبيقاتنا السياسية :
هنا ، في هذه البقعة التي تفصلنا عن بلدنا مئآت السنين أي الدول الاسكندنافية ،
وبحثا عن طرطرة شبيهة بطرطراتنا ، رأينا طروحات غرائبية جمعت كافة التلاوين
السياسية ، من الحزب الاشتراكي الديموقراطي حتى النازية والفاشية واحزاب وطنية
واخرى كوسموبولوتية وايضا مقاعد برلمانية لأفراد مستقلين وايضا تجمعات لبنات
الهوى واقصد بها ( لائحة الحب ) ... كل شئ هنا يضمن سلامة الاختلاف والتنوع
ويحترم ذلك . هناك مئآت النوادي والروابط وعشرات الصحف ، ويستطيع أي تجمع ذي
نشاط اجتماعي من 25 شخصا ان يحصل على دعومات مادية ومساعدات من كومونة
المنطقة .
لقد جرى ارساء هذا النظام على اساس ( مجتمع الرفاه ) المادي وبالتالي المعنوي
... الجميع متساوون أمام القانون ،وان أي تمييز لهذا الشخص على ذلك بسبب
الايمان او الالحاد انما طرطرة وبسبب الغنى ام الزهد انما طرطرة .
لقد صاغها رحمه الله جدهم البار رئيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي ( ستاوننغ )
عندما دعا الى تشريع قوانين التساوي بين الافراد في العمل وحق المساعدات
الاجتماعية وأيضا ضمان كل مولود براتب مدى الحياة ، وضمان حرية الأديان ، فمن
أين لنا أمام طرطرة التشرذم والتمييز الحزبي والتفريق الطائفي أن نحصل على قادة
، لانطالبهم بالدخول الى الجنان الاسكندنافية – استغفر الله – بل بارساء اللبات
الاولى للتعاون والتضامن الجبهوي كخطوة اولى .
لقد غدا لزاما على المثقف الرد بكل قوة على  طرطرة المتطرطرين والمعوقين لمسيرة
عراق الديموقراطية من كل الاصناف ، ولابد ان تظل كلمات الجواهري الكبير دبابيس
في جلود المخربين والمرتدين مسوح الاصلاح والتطوير :
" فغالطي وكابري     وحوّري وزوري "

وحسبنا ان نقول في مجال الادب ، بأنه لن يتوقف هذا السيل الجهنمي من أدب جريح
وقصيدة منفى محترقة وكتابات وعزاء وحداد حتى نضع الجواد أمام العربة ... ان من
يقرأ تاريخ الشعوب يرى بأن دمل الجراح يتم عبر التحولات السياسية الشجاعة
والحاسمة . حقا لم نعد نقرأ اليوم في الادب الدانماركي معاناة شيخ الوجودية
الكبير ( سورين كيركيجارد ) ولا ( توفا ديتليوسن ) ولا ( هينس شيرفي ) الكاتب
التربوي الذي رسم صورة النظام المدرسي الدانماركي قبل نصف قرن ، الرجعي
واللآانساني . لم يعد يظهر ادباء من هذا النوع بزوال ظروف مثل هذه .
اعطونا حياة ديموقراطية وأقياما اجتماعية ثابتة ودستورا يضمن انسانية الانسان ،
لن تجدوا هكذا نزيفا ادبيا او شعريا في حياة العراق القادمة ... كل ذلك يمكن ان
يكون شريطة ان تكف الأطراف عن الاستبداد والطرطرة والتي بممارستها تنتعش
الديكتاتورية وتحيا . لا للحزب الواحد ثانية في قيادة البلاد . معا نحكم معا
نغير ونتغاير ، بالسلام والحوار تتقدم العملية السياسية والفكر . بدون ذلك هي
عودة الهيمنة والديكتاتورية وعودة دوائر الدم . بل اعادة كتابة طرطرا من جديد .
لابد من ان نطالب بحملة دعم لجبهة الديموقراطية وضمان انتصارها ولابد من اشتراك
الجميع للتفكير عراقيا واضعين نصب اعيننا العراق للجميع وليس العراق لفكر احادي
او مرجعية دون غيرها . ولا يجب ان نسقط من الاعتبار التصدي للطرطرة ورحم الله
الجواهري القائل :
" ان أخا طرطر من كل المقاييس بري " .