خطة
النظام البعثي البائد للقضاء على الحوزة
العلمية [i] نبيل
الكرخي
ـ
إعطاء سلطة الإشراف على الحـوزة العلميـة
في النجف الأشرف لمرجـع عربي ومنعها عن
المراجع الإيرانييـن ، والعمل على ربط
منصب زعيم الحوزة بقرار النظام السياسي
فيتم تعيينه من قبل السلطة وكما هو حال
منصب شيخ الأزهر في مصر الذي يتم تعيينه
بقرار من رئاسة الدولة هناك (وقد حاولت
السلطة العفلقية من قبل تمرير هذا المخطط
على السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قده)
لكنها واجهت الفشل الذريع[1]).
ـ
إيجاد حاشية موالية لنظام الحكم حول
المرجع العربي لتحقيق عدة أغراض منها
السيطرة الأمنية على تحركات المرجع
العربي وما يمكن أن يصدر عنه ، وإيحاء
أفكار معينة إلى المرجع من خلال حاشيته
ليتم تسويقها لاحقاً بأسم المرجعية. ـ
تأميم الحوزة من خلال القضاء نهائياً على
نفوذ المراجع الإيرانيين داخلها لتصبح
شأناً داخلياً عراقياً ليس له إرتباط بدول
أخرى أو جهات دينية خارج العراق ، ويتم
القضاء على نفوذ المراجع الإيرانيين من
خلال الآتي : ·
منع
المراجع الإيرانيين من إدارة المدارس
الدينية في الحوزة العلمية والتهديد بغلق
مدارس الحوزة العلمية في حالة إصرارهم على
إدارة تلك المدارس. ·
فرض
الإقامة الجبرية على البارزين من مراجع
الشيعة الإيرانيين ومنع أو تقليل ظهورهم
العلني من أجل تقليل شعبيتهم في الوسط
الشيعي. ·
منع
طبع الكتب الدينية لا سيما كتب الفتاوى (الرسائل
العملية) ومنع تداول المطبوع منها خارج
العراق في الوسط الشيعي. ·
بث
الأفكار العنصرية داخل الحوزة العلمية من
أجل تقسيمها عملياً إلى مرجعيات عربية
مدعومة من سلطة النظام ومرجعيات إيرانية
أسيرة ومفصولة عن المجتمع. ·
تسفير
رجال الدين الناشطين في حاشية المراجع
الإيرانيين وعدم تجديد الإقامة لهم. ·
إغتيال
المراجع الإيرانيين الذين يشكل أمر
تسفيرهم خطراً على الأمن الداخلي وذلك بعد
إيجاد غطاء من الفتنة الداخلية لعمليات
الإغتيال تلك. ـ
بعد تأميم الحوزة يتم ربطها بوزارة
الأوقاف ويصبح المرجع الديني موظفاً في
هذه الوزارة. تعثر
بعض جوانب خطة النظام المذكورة وتأسيس
مصطلح "المرجعية الناطقة" : وقد
واجه المنهج التخريبي صعوبات عند تطبيقه
بسبب تضامن بعض المراجع العرب مع إخوتهم
من المراجع الإيرانيين والأفغانيين
والباكستانيين وحفاظهم على الجوهر
الحقيقي للحوزة العلمية والإسلام المحمدي
ولم ينجرفوا أمام مشروع تعريب الحوزة ، لا
سيما مرجعية السيد محمد سعيد الحكيم
ومرجعية السيد حسين بحر العلوم ومرجعية
السيد محمد علي الحمامي ومرجعية الشيخ
محمد أمين زين الدين ، لقد كان التحرك الذي
قام به السيد محمد محمد صادق الصدر تحركاً
إجتماعياً يتوخى من وراءه العمل السياسي ،
ونتيجة لإستجابته للسلطة البعثية في
باديء الأمر فقد إستطاعت مرجعيته أن تدعي
وراثتها للحركات الإسلامية لاسيما حركة
السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قده) مستغلة
جهود السلطة التي تصب في دعمها والتقليل
من شأن المرجعيات الأخرى في النجف (الإيرانية
والعربية) بعد أن لمست من المرجعيات
العربية الأخرى عدم تجاوب مع سياستها. لقد
أراد السيد محمد الصدر ضرب جميع القوى
الموجودة على الساحة الدينية والسياسية ،
فنجده يسعى لضرب المرجعيات الدينية بنفس
السعي الحثيث لضرب السلطة الغاشمة ، فكان
إبتداعه لمصطلح "المرجعية الناطقة"
يمثل منعطفاً خطيراً في هذا الإتجاه حيث
سعى من إطلاقه إلى ضرب بقية المرجعيات
التي تعمل وتقاوم السلطة الغاشمة بعمل
دائب ودائم وبسياسة الصبر والصمود ، وكذلك
سعى من خلال إطلاق هذا المصطلح إلى تحفيز
المسلمين إلى مقاومة السلطة الغاشمة عبر
التذكير المستمر بأن حوزته "ناطقة"
أي إنها لن تنهج منهج الصبر والصمود بل
منهج الثورة. ولقد كان منهج السيد محمد
محمد صادق الصدر في محاربة المرجعيات
الدينية والسلطة الغاشمة معاً تنبع من
رؤيته لما جرى من أحداث رافقت تحرك السيد
الشهيد الصدر (قده) واستشهاده سنة1980م ، حيث
الرؤية القاصرة لبعض المؤمنين بأن
المرجعيات الدينية تركت الشهيد الصدر (قده)
وحيداً في مواجهة السلطة العفلقية ، وهذا
التصور الخاطيء هو الذي دفع السيد محمد
الصدر للتقليل من القيمة الدينية
والمعنوية لبقية المرجعيات بالأسلوب
الخاطيء الذي تم به ذلك من أجل توحيد
الساحة خلفه لإنجاح التحرك الذي يريد أن
يقوده ضد السلطة ، وبذلك يتجاوز ما يظنه
خطئاً في تحرك الشهيد الصدر (قده) من
إنقسام المؤمنين وإتباعهم لمرجعيات أخرى
لم تساند مرجعية الشهيد الصدر (قده). وقد
تطرقنا في مقال سابق إلى موضوع تحرك
الشهيد محمد باقر الصدر (قده) وتناغم الدور
الذي قام به مع الدور المهم للسيد الخوئي (قده)
في التصدي للسلطة والمحافظة على الحوزة
العلمية من بطش السلطة الغاشمة. وقد
حاولت السلطة بدورها الإستفادة من هذا
المصطلح حيث أنَّ وصف مرجعية السيد محمد
محمد صادق الصدر بأنها مرجعية ناطقة ووصف
جميع المرجعيات الأخرى بأنها مرجعيات
ساكتة هو بمثابة تعديل لخطتها المذكورة
بعد أن فشل موضوع إثارة النعرة العنصرية
بين المراجع ، وبذلك يتم تقسيم الحوزة هذه
المرّة لا على أساس عنصري بل على أساس
التصدي وعدمه ، ونحن نعرف بأن جميع
المرجعيات هي متصدية للعمل بأساليب
متعددة وبما يديم حركتها ويبعد شبح
الإضطهاد البعثي الذي يمكن أن يأدها في
مهدها وفق قاعدة (تنوع الأدوار ووحدة
الهدف) ، ولكن سلطة البعث أرادت من دعم
إطلاق مصطلح (الحوزة الناطقة) خداع العامة
لإبعادهم عن التأثر بالمرجعيات الإيرانية
وكذلك المرجعيات العربية المتضامنة معهم
، وحصرها في مرجعية السيد محمد محمد صادق
الصدر وبالتالي السيطرة على هذه المرجعية
الفتية من خلال حاشية هذا المرجع ، ويبدو
إنَّ السيد محمد محمد صادق الصدر قد لعب
هذه اللعبة معهم بذكاء فإستفاد من هذه
التسمية (المرجعية الناطقة) في تقوية
مركزه المرجعي وزيادة عدد أنصاره
وتهيئتهم للإنقلاب على سلطة البعث ، فكان
قراره بإعلان إقامة صلاة الجمعة يمثل
الحجر الأساس في عمله نحو مواجهة السلطة
بعد أن إستثمر السلطة نفسها في تكوين
قاعدة شعبية لمرجعيته تكون مادة تحركه
المضاد لها ، لذلك فقد لجأت السلطة سريعاً
لإحتواء هذا المرجع وقررت إغتياله للقضاء
على خطته وفعلاً نفذت عملية الإغتيال
وأنهت هذه المحاولة ، وبقي مصطلح (المرجعية
الناطقة) ورقة بيد الفاشلين الذين لم
تسعفهم قابليتهم العلمية والفكرية على
الوصول إلى مرتبة المرجعية بالطرق
الشرعية فلجأوا إلى المزايدة بهذا
المصطلح للوصول إلى أغراضهم الشخصية
والمصلحية.
ولا
ندري ما هو السبب الذي منع المؤمنين من
أتباع الحوزة الناطقة من سؤال أنفسهم عن
السبب الذي دفع صدام المجرم للقبول بأن
يكونوا ناطقين في زمن الإضطهاد والقمع
والإعدام والإبادة الجماعية والإعتداء
على النساء والحرمات لو لم يكن نطقهم يصب
في مصلحته ومصلحة نظامه المقبور.
|