الدكتور سامي البجاري Saint Fatima..القديسة فاطمة
خاص للارشيف
قبل 900 سنة من الآن بدأ العرب بخسارة الاندلس بعد
ان دب الهوان فيهم بسبب نزاعاتهم الداخلية وصراعهم على المكاسب الشخصية دون النظر
لمصلحة الامة والدين. لقد كتب التاريخ الكثيرعن آخر الخلفاء العرب في الاندلس من
بني أمية وهم أحفاد عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الذي توفي عام 788 م
وهو الملقب بصقر قريش أو عبد الرحمن الداخل.
كان عبدالرحمن أحد الأمراء الأمويين المرشحين للخلافة في عاصمة الدولة الاموية في
دمشق ، جده الخليفة هشام بن عبد الملك عاشر الخلفاء الأمويين . هرب من العباسيين
عند قيام دولتهم، إلى الأندلس، وأكمل فترة الخلافة الأموية هناك في الأندلس ، حكم
بين عامي 756-788 م.
ازدهرت الحضارة العربية في الاندلس في المائة سنة الاولى على قيام الخلافة وعرفت
البلاد ازدهار الآداب والعلوم والعمارة والفن وبلغت حالة متقدمة من التمدن، كما عرف
عن الأندلسيين أثناء ذلك العهد تمتعهم بثقافة وطبائع راقية. أصبحت الدولة الاموية
في بلاد الأندلس مركزا ً حضاريا ً كبيرا ً في غرب العالم الاسلامي .
ثم جاءت مرحلة انقسمت فيها الدولة الاموية في بلاد الأندلس إلى أجزاء تولى كل منها
حاكم مستقل. وقد شجع حال الدولة المنقسم حينذاك الممالك النصرانية المنزوية في
الشمال ( منطقة الباسك الحالية) على القيام ومحاولة استعادة الأراضي التي دخلت تحت
حكم الاسلام منذ دخول طارق بن زياد شبه الجزيرة الايبـيرية في عام 711 م.
ولم تستعد الدولة الاموية في بلاد الأندلس مجدها بعد ذلك أبدا ً برغم ظهور حكام
اقوياء مثل عبد الرحمن الثالث الذي صار خليفة لمدة اربعة سنوات من سنة 912 الى 916
ميلادية، ثم اندثرت هذه الدولة سريعا ً تحت ضربات الجيوش النصرانية في بداية
الالفية الثانية وكان آخر مملكة (مدينة ) هي غرناطة التي سقطت في عام 1492 م وهي
نفس السنة التي تم اكتشاف امريكا فيها.
من ضمن المعارك الكبيرة التي شنها الجيش النصراني ضد جيش المسلمين كانت هناك معركة
عند قصر الملح ( وهو قصر ابي دانِس ) في عام 1158م بقيادة الملك الفونسو الاول. وفي
هذه المعركة انتصر الجيش النصراني وغنم وسبى جيش المسلمين. وكان من ضمن السبايا
أميرة أندلسية من امراء القصر. وعند توزيع الغنائم على المنتصرين كانت تلك الاميرة
التي تدعى فاطمة من حصة كونت أوريم ( أي حاكم مدينة أوريم ) المسمى گونزالو هيرميك.
تم إجبار هذه الاميرة الاندلسية المسلمة على اعتناق المسيحية وجري تعميدها وفق
المذهب الكاثوليكي قبل ان يتزوجها الكونت في نفس العام ويطلق عليها اسما ً مسيحيا ً
باللغة القشـتالية هو أوريانا أي المشرقة او الذهبية. عاشت هذه الاميرة في تلك
المدينة ما تبقى من عمرها وتوفيت فيها ولكنها اشتهرت بالثقافة والادب والمستوى
العالي من النظافة الشخصية وطيبة القلب والكرم وحسن المعشر ولطافة الشخصية وعذوبة
اللسان سواء مع الحاشية او مع عامة الناس واصبحت محبوبة عند الجميع لدرجة ان اسمها
طغى على اسم القصر الذي كانت تعيش فيه خارج مدينة أوريم.
أصبح الناس يطلقون اسم فاطمة على القصر والمنطقة المحيطة به. وبمرور الايام صارت
هناك قرية صغيرة بالقرب من أوريم تدعى فاطمة وتقع حاليا ً على بعد 123 كيلومترا
شمال لشبونة . ومما تجدر الاشارة اليه انه لم يكن احد يعرف هذه القرية التي كانت
تتكون من 25 منزلا ً في بداية القرن العشرين الماضي. لا يعرف أحد حتى اليوم اين تم
دفن تلك الاميـرة الاندلسـية.
ولكن الاحداث تسارعت قبيل انتهاء الحرب العالمية الاولى فقد كان يوم 13 أيار 1917
يوما ً يعتبر نقطة تحول في تاريخ قرية فاطمة والبرتغال. ففي صباح هذا اليوم خرج
ثلاثة رعاة أحداث من ابناء هذه القرية الصغيرة لرعي الاغنام كما تعودوا في كل يوم
حيث يأخذون القطيع الى المرعى الواقع بين قريتهم والقرية المجاورة التي تسمى
الخوستريل.
ولكن هؤلاء الرعاة الصغار وهم لوسيا ( 10 سنوات ) وابن عمها فرانسيسكو ( 9 سنوات )
واخته خاسـينـتا ( 6 سنوات ) سرعان ما دخلوا التاريخ؛ حيث في انهم عند منتصف
النهار، وبعد ان انهوا التسبيحات الدينية اليومية كما هي عادتهم، قاموا بصعود تلة
قريبة لاحضار بعض الحجارة للعب بها، ظهر لهم ضوء قوي في السماء أقوى من نور الشمس
في شهر آيار فأعتقدوا بانه صاعقة وان الجو سيصبح سيئا ً مما يستدعي اعادة تجميع
القطيع والعودة للقرية. ولكن عند نزولهم من التلة ظهر لهما الضوء مرة اخرى. في هذه
المرة شاهدوا إمرأة مشعة أكثر من ضوء الشمس في وسط السماء وهي ممسكة بيديها مسبحة
بيضاء وقالت بانها السيدة العذراء المسبّحة . ثم قـالت لهمـا بأنه يجب عليـهم دعـوة
النـاس للصـلاة أكثـر وانهـا ستعاود التجلي ( الظهور) عدة مرات في المستقبل في
الثالث عشر كل شهر. وقد وفت السيدة المنورة بذلك.
وفي ظهورها الذي حصل في 13 تشرين الاول ( وهو الظهور السادس ) حضر التجمع 70 ألفا ً
من المؤمنين الكاثوليك من مختلف المدن والقرى الايبـيرية؛ حيث حثتهم على الايمان
بالله . وبعد ذلك شاهدوا المعجزة التي سبق وان أخبرت بها الرعاة الثلاثة بما أصبح
اليوم يـُعرف بمعجزة دوران الشمس. وفي ظاهرة كونية باهرة شاهد الجميع خفوت ضوء
الشمس لدرجة يمكن النظر اليها بدون مشكلة ثم دورانها بمدارحول نفسها ودوران آخر
محوري. أعتقد الناس ان الشمس ستقع على الارض من هول الحركة الدورانية التي شاهدوها.
توفي فرانسيسكو سريعا ً وتبعته أخته خاسـينـتا في وباء الانفلونزا الذي اجتاح
القارة الاوربية في عام 1919 ولكن طال العمر بإبنة عمهما لوسيا لتموت في 2005 عن
عمر بلغ 97 عاما ً بعد ان اصابها العمى والصمم قبل ذلك بقليل.
اما القرية؛ فقد اهتم بها المؤمنون الكاثوليك في
شبه الجزيرة الايبـيرية بصورة رئيسة وبعض الايطاليين، ليتفقوا في عام 1928على ان
يقيموا كنيسة ضخمة في موقع التجلي، بمساعدة الشاهدة الباقية الوحيدة من الاطفال
الثلاثة والتي دخلت الدير ودرست الكهنوت ( علم الفقه ) واصبح اسمها الاخت لوسيا.
أقيمت الكنيسة الكبيرة في القرية وأصبح مركزها وبرجها يرتفع 65 مترا ً فوق التلة
التي حصل فيها التجلي الاول واصبح اسمها كنيسة القديسة فاطمة بأسم المكان الذي تقع
فيه، حيث جرت العادة المسيحية على اطلاق اسم القديسة متبوعا ً باسم المكان المقام
عليه الكنيسة. ومما يجب ذكره بانه لا يوجد أحد مدفون داخل الكنيسة، وقد تم نقل رفات
الاخوين فرانسيسكو وخاسينتا بعد ثلاثون عاما ً من وفاتهما الى مكان مجاور للكنيسة
ولم يتم نقل رفات ابنة عمهما لوسيا لحد الان الى الموقع برغم مضي أربعة سنوات على
وفاتها.
يأتي الزوار الكاثوليك من مختلف البلدان للتبرك وطلب المراد من السيدة العذراء وذلك
زحفا ً على الركب. وقد قيل الكثير عن استجابة الله لدعاء المرضى وذوي الحاجات عند
الدعاء في المكان الذي تجلت فيه السيدة العذراء للرعاة الاطفال الثلاثة وحتى ان
البابا جون بول الثاني حضر بنفسه لهذه الكنيسة بعد سلامته من الموت في حادث
الاعتداء عليه في عام 1981.
يوجد في مختلف انحاء العالم اسماء قرى ومدن مسبوقا ً بكلمة القديسة /او القديس بعد
ان يتم تطويب الميت من قبل الفاتيكان واعتباره قديسا ً / او قديسة وهذا تقليد كنسي
لتكريم الاشخاص بعد موتهم الذين كانوا يتميزون بخدمات إيمانية كبيرة ويقدمون
التضحيات الجسيمة في سبيل الدين ونشر المذهب الكاثوليكي . والامثلة كثيرة مثل :
Saint Andrew/Saint Anthony/ Saint Augustine/ Saint Barbara/ Saint Bernard/ Saint
Christopher/ Saint Gallen/ Saint Gobain/ Saint Helene/
Saint Louis/ Saint Nicolas/ Saint Paul/ Sankt Birgitta/ Sankt Christine/
وهذه باجمعها أسماء مدن في مختلف أنحاء العالم.
مما تقدم فاننا على يقين بان الكنيسة والشواهد الموجودة في قرية فاطمة لا تمت للدين
الاسلامي باي شكل من الاشكال عدا الاسم الذي تحمله القرية قبل ان تحصل فيها
التجليات المقدسة للسيدة العذراء، ولا يمكن القول مطلقا ً بان المكان يحمل إرثا ً
اسلاميا ً. ولا يلاحظ الزائر للمكان أي أثر إسلامي من قريب او من بعيد ولم يصل الى
علمنا ان المكان وجهة للزائرين المسلمين من مختلف الطوائف على مر العصور الماضية
ولم تتطرق له كتب الزيارات او التاريخ الاسلامي من أي طرف، ولكن بالطبع يمكن لأي
مسلم ان يزور المكان كأي موقع سياحي مثلما نشاهد يوميا ً العشرات من المسلمين
يزورون ساحة القديس بطرس في الفاتيكان. وسيكون يوم الاربعاء 13 مايس 2009 القادم
يوما ً مشهودا ً في قرية فاطمة حيث من المتوقع ان يزورها نصف مليون كاثوليكي
للاحتفال بيوم التجلي الاول وطلب المراد والتبرك بالدوران حول تمثال السيدة العذراء
الذي يقع في قلب الكنيسة، بعد ان يتم الزحف اليها على الركبتين، ثم تجري مسيرة
احتفالية يتقدمها تمثال للسيدة العذراء تدور الساحة الواقعة امام الكنيسة وسط
انفعال الجمهور المحتشد حول المسار الذي يدور في الساحة ويرجع للكنيسة.
aboamged@hotmail.com