جندي
العراق لم يعد مجهولا ... علاء
الزيدي شهدت
اليوم عرسا حقيقيا . وصلني من الدنمارك
شريط فيديو يصور تشييع ودفن أحد شهدائنا
الأبرار الذين احتضنتهم المقابر الجماعية
كالأم الرؤوم . فالأرض العراقية لا تعرف
غير الحنو والدفء والمحبة الغامرة ، حتى
لو أراد لها شذاذ الآفاق البعثيون أن تكون
على غير طبيعتها الحنون . كان
الرفات الطاهر للشهيد صفاء حسن حميد
الصوفي ( أعدم دون جريرة هو ووالده الذي
كان محتجزا وأخوه المعتقل
علاء عام 1984 ولم تعلم بالأمر أمهما
وأخوهما وأخواتهما إلا قبل شهرين أو أكثر
قليلا ) محمولا على أكف الأهل والأقارب
والجيران ، متجها نحو الروضتين الحسينية
والعباسية ، حينما برق في خاطري حلم يقظة ،
في تلك الدقيقة أو تلكما الدقيقتين اللتين
أقتنصهما –
عادة - من نهاري للتعويض عما أخسره من نوم
في ليلي ( يبدأ ليلي في الرابعة أو الخامسة
فجرا ولا يكاد يبدأ حتى ينتهي في الثامنة
والنصف أو التاسعة صباحا
! ) كان صفاء عريسا ، محلقا في سماوات
الأحلام بأجنحة العنفوان ، كان عريسا
حقيقيا ... كانت مواكب الأعراس متتالية ...
واحد ... إثنان ... ملايين ... ملايين
العرسان ... في يوم الحزن العميق للطاغية
الساقط بنفوق جرويه ، جراء تموت سحقا
بالأحذية ، لا تتألم لها إلا جراء مثلها ،
تسحق هي الأخرى بالنعال المقطعة تباعا ،
وعرسان يتسامون ... يحلقون ... يطيرون بأجنحة
من عنفوان . أية صور أجمل ، بربك ! يقولون :
لا شماتة في الموت ، إلا بالجراء المسحوقة
بالنعال المقطعة ! إلى
هذه المقابر الجماعية أعود ، بعد أن جلست
مع ( أم علاء الصوفي ) على حافة الجنة ؛ على
قبر ( صفاء ) . هدهدت معها التراب المجلوب من
تلك المقبرة المطهرة ( مقبرة محمد السكران
) في كيس : دللول يالولد يبني دللول ... عدوك
عليل وساكن ... الجول ! أي جول بحق الله ؟ لقد
اهترأ جسده ( عدوك صدام أعني ) من القمل
والوساخة والعفن ، وأعظم به من عقاب ، في
المجاري ، والبلاليع ، قبل السقوط المحتوم
بأيدي العدالة العراقية ، الإلهية . إلى
المقابر المنورة أؤوب ، فقد ارتاحت الأعظم
المنهكة –
بأبي هي وأمي –
بعد رحلة فراق ناهزت العشرين . هدأت في
أحضان الأرض العراقية الثكلى بأبنائها
الشهداء ، لكن الجذلى بعرس انتصار دمهم
على سيف الجلاد . قالت
( أم علاء ) : على كيفكم وياه ، ضعوه في حجر
أمه الأرض العراقية المقدسة برفق ، صارله
ليلتين متعلعل ، صار له عشرين سنة ... قبل
أن أرجع إلى المقابر الجماعية المطهرة ،
ألوح بالحبل الذي لم يبل . قالت أم علاء
منتحبة : بهذا كانوا شادين إيديك يمه ...
بهذا الحبل ألوح : لن أقبل ، لن يقبل ، لن
تقبل ، لن نقبل ، لن يقبلوا ، لن تقبلن ،
بأقل من التفافه على أعناق البعث العفلقي
، من صدام ، إلى صدام ... إليها
أجيء ، إلى مقابرنا الجماعية المقدسة .
باسمها أستحلف مجلس الحكم الشرعي الموقر ،
لا تطأطىء رأسا ، ولا تستجد اعترافا .
سيأتونك سعيا ، سيأتونك نادمين ، فقط عض
على النواجذ وتذكر عراقيتك التي تعلو ولا
يعلى عليها . ويوم
أتوك طالبين الصفح ، خذهم إلى مقابرنا
الجماعية المقدسة ، تاج رؤوسهم ، لتغفر –
هي –
لهم الذنب ، أو لا تغفر . إذ
لم يعد جندينا المضحي مجهولا ... كما
جنديهم النكرة ، المجلل بالخزي والعار ،
في كل حروبهم مع طواحين الهواء ...
!
|