غصن غريب مطعم بشجرة غريبة


                     خلدون جاويد

شهادة دمار روحي  ’  وصليب عذاب غربة ’ بل حنين الى المنبع والمصب  ... الرواية
التي تشد حدقات العيون الى نخلة الأرض والروح الى رافديها الخالدين ....
وكما قال ألشاعر المهاجرأحمد الصافي النجفي :
" ولولا المزعجات من الليالي ..... لما ترك القطا طيب المنام   "
فانه ليس في خلد العراقيين أن يهاجروا من بلادهم ذات يوم .
"غصن غريب مطعم بشجرة غريبة "  رواية مطعمة بالذكرى ’ بالماضي القريب البعيد
’بالحنين وكل حنين كما يقول الأديب مريد البرغوثي كسر للارادة  ومثل ذلك فان
الشاعر الانجليزي ووردزوورث يتذكر فيكتب وبذا يضفي على ابداعه بعدا وغيابا من
جهة وهدأة وحنينا من جهة اخرى..وعلى غرار الهاجس الشائق هذا ’ فقد انجز الاديب
الشاعر العراقي صلاح نيازي روايته بعد ان انكسر الشراع الساري على دجلة في عام
1963 حيث اجهضت الجمهورية العراقية بعد خمس سنوات من ولادتها ’ وقد غادر الأديب
نيازي راعفا من جرح ناصريته والعراق عبر قطار تتخسّف وراءه سكته الحديدية !
وهناك يستنطق الرقم السومرية في ضباب لندن ’ ويسبغ على الروي الكليم شغافا من
شجن الناصرية  المفجوع بالمغادرة من الاحضان الى الارصفة الباردة ’ من وطن
الشمس الى حجرة تصفر فيها رياح الزمهرير ’ ويشحب وجه ابن فراتَي الخير ونخلتهما
الطاهرة  ’وبعد مرارات لا يمارس رباعيتها الاّ المتصوفة ( الصمت والجوع والسهاد
والعزلة )’ وبعد دوار القشة في بحر مائج ’ يهتدي الزورق السكران بالوجد الى
شاطئ  يمن عليه بالامان حيث العمل الادبي والترجمي والاذاعي ’ وتتأسس حياة
مجاهدة بالدراسة’ متوترة بالحنين’ ومتفجرة بشاب غضر لكنه مبارز في مقتبل العمر
’ وكأني به من أوائل العراقيين الذين غادروا ’ هائمين على وجوههم ’ لا شغفا 
بمال او منال بل هربا من جحيم ليل بينوشيتي وارهاب قيصري .. والمغترب العراقي
لفظ هامشي لم يتأسس ولن يتأسس على الاطلاق ’ فليس في خلد العراقيين ان يهاجروا
ذات يوم من ارضهم ولم يحلموا بذلك البتة . ولو نضع لغط اللآغطين من المأجورين
الذين يلاحقون اللآجئين بالأساءات والتخوين والتكفير ’ لو وضعنا لغطهم جانبا ’
لرأينا ان المنفى برمته مقلة دامعة ’ وان الشوق اسئلة حارقة ! متى العودة ؟
وكيف يتاح لنا ان نرى الأهل الذين نفقدهم بمرور السنين ’ وهم يعانون الحروب
والمجاعة والحصار والمرض وقلة الدواء واستفحال الداء والارهاب ..الى أخره من
سُم يومي نتجرعه منتظرين ساعة الفرج ..لكن الرواية على ما تضمنته من غنى ادبي
واحالات الى الشعر والأدب والتصوف والمقاربات اللغوية والترجمة والنقد فانها
ايضا قد تناولت بديهيةجديرة بالقراءة العميقة بل الدراسة لما لوقفاتها من اهمية
تمس الشخصية العراقية الاستثنائية ’ فلكي لا يظهر دكتاتور آخر في العراق يجب ان
نتفحص ذواتنا من اجل ان نجد اين الدكتاتور فينا ! من نحن ؟ من أي رحم ملغوم نحن
... أي ديناميت صحراوي قد خصبّ امهاتنا ؟ لماذا العراقي على هذه الدرجة من
القسوة وهو المعروف بطيبته او المتهم بها .. وطوبى لعلي الوردي القائل بأن
العراقي يميل الى الظهور بشخصية جيمس ستيوارت لكن سرعان ما تهتز هذه الشخصية
ويظهر لنا( ملّا علوان ) ! .. بل المسألة كما هو واضح منذ اكثر من  ثلاثين عاما
الى الآن بأن دراكيولا الكامن فينا قد فاق الحد ’ ولا يقوى شكسبير في ( العاصفة
) ان يصف امواج دمويته العاتية ’ولا اليد التي تغدر بأخيها لتضع السم في اذن
الأمير الأب (هاملت ) .. ولا ماكبث القاتل اوتاجر البندقية شايلوك الجزار  ...
ان الواقع العسكريتاري الكامن في شخصيتنا المدنية لسوف تفرز دكتاتورا آخر ان لم
نتراجع عن كل ماتعلمناه على يد احزابنا العنيفة النارية المتشظيّة الممايزة
لعراقيتنا الحبيبة على حساب فكرة حزبية او نهج مذهبي او اسلوب سياسي .. ان
واقعنا مقرف ومن قبيل الرحمة بالأنسان بل من قبيل النبل الحضاري الالتفات الى
اعداد دراسات لا دراسة واحدة من اجل معاينة ذاتنا بتاريخنا ’ ولايظنن احد اننا
ندرس وضعنا الماضي من اجل ان نتبارز ثانية ! لا .. الف لا .. نريد فقط محبة
انسانية ترقى بالانتماءات الصغيرة والضيقة الى الوفاق والسماح ’ والى تجذير
حركة السلم وانصاف الآخر . واهم عنصرين عسانا ان لا نفقدهما ألا وهما التواصل
والاحترام ... ان الخطر يكمن بقطع الحوار .. ان الخطر يكمن بالتجاوز على توقير
الآخر ورأيه .
ولعل الرواية قد اضفت عمقا ارقى ممال أتناوله ’ وذلك في عملية الدخول الىمجالات
حيوية ’ وميدانيا في القلب من جسد الشعب العراقي ... كتب الأديب صلاح نيازي (
ص37 ) " قتل اخي .... كتبت عنه قصيدة طويلة نشرت بكراس عام 1961عنوانها كابوس
في فضة الشمس . ..... قتل عبد الكريم قاسم ’ دفن فعُبِدَ ثم نبشته الحكومة
وألقت جثته في النهر ...... .وفي (ص 45 ) يشير المسافر رغما عنه الى : " ...
شعرت والقطار مندفع الى الامام ’ ان كل المدن والغابات والجبال وهي تتراجع
كأنها اشياء تستلب من حياتي " . وفي ( ص 55 )  : " نجوت من خطر ’ ووقعت في خطر
الموت جوعا . قلت سأطيل ايامي بالتقتير وكسرة خبز . بكسرة فعلا أطلت أيامي .
جوعي في طفولتي  بالناصرية اعانني على تحمل الجوع بلندن ."
ان الهجرة صليب والنزوح مشقة وليتأكد عبدة  الدولار وبائعي الدم والضمير ’ من
ان حنين العراقيين الى ارضهم قيمة ادبية هي اسطع وانبل من دونية حياتهم الجوفاء
. هل نتذكر الكاظمي في شجنه الشاهق :" أبغداد لا فاتتك مني تحية ... يفسر منها
ماراد المفسر " " هناك شبابي قد تقضى وههنا .. مشيبي وفي الحالين اشكو واشكر "
اما الجواهري في دجلة الخير ." وددتُ ذاك الشراع الرخص لو كفني .....يُحاك منه
غداة البين يطويني "  ام السياب في غريب على الخليج " صوت تفجر في قرارة نفسيَ
الثكلى .. عراق " ام مصطفى جمال الدين وهو ناضح حنظل قرب بردى وفي قصيدة تائية
هي من اجمل قصائد الدنيا .....ان غربة صلاح نيازي لم تكن الأ شقاءً مزلزلا ..
لم تكن الاّ نتيجة لسبب جاد والذين اطلعوا على قوانين الفلسفة الجدلية يدركون
مفهومي السبب والنتيجة كأبسط درس من دروس الفلسفة الابداعية الهيغيلية في ان لا
معلول بلا علة ... ولو ان استاذي الكريم قد تحدث في الرواية هذه عن تجربته
الخاصة ’ فان كاتبا مثل غاريسيا ماركيز مدعو لمعايشة ( 3 ملايين الى 4 ) من
العراقيين الذين يتهمون بالخيانة لأنهم قد غادروا وطنهم لكيما يخط لنا بقلمه
البانورامي لوحة بعرض ارض وسماء وبحر الشتات العراقي’ شتات الاضطرار لا الخيار
..ان روائيا مثل سلام عبود يشحن النص بشخصيات مد مية حاشدة هو مانحتاجه الآن
لمعاينة أحوال المنفى . وهذا الأمر موكول لا بتجربة الاستاذ صلاح بل بهؤلاء
الادباء الجدد الافذاذ الذين عاشوا الجحيم ليكتبوا عنه واقصد من عاش جماعية
الألم على الأرض. .
يقول الدكتور صلا ح(68 ) : " الأُم العراقية ترضع طفلها الغرور مع الحليب :
اجمل طفل ’ أفضل طفل في المدرسة ’ درجاته اعلى الدرجات بين اقرانه ’ المعلمون
يستغربون من ذكائه ’ جاء بالمرتبة الاولى . بجمل كهذه تنمّي الام في  طفلها
روحا ديكية’ قوية في المظهر ’ هشة في الداخل ’ والديك مهما كان تطوّسه ’ اجبن
من عليها " ... " .. المدرسة تحشو رؤوس الطلاب ’ بما تفرضه من اشعار حماسية
بطولية ’ بقيم يقاس فيها الانسان بحجمه الفيزيائي ’ الضخامة ’ مثال اعلى ’
العضلة آلة تدمير وهيمنة ’ الشاربان الكثان رجولة ’ وشعر الصدر فحولة ’ تنعكس
مثل هذه القيم الصحراوية العضلية ’ في طريقة تعبيرنا منذ الطفولة ’ ولانها تنمو
شيئا فشيئا ’ لا تشعر ببشاعتها ’ بل تتلذذ بها ’ ونتفنن في سبكها باسلوب فخم
شعرا ونثرا ’ ومعظم شعرنا ’ معظم نثرنا يجب ان يدخل الى مستشفى الامراض النفسية
. "
   من البديهي ان يكون الانسان ابن طبيعته اولا وابن ثقافته ثانيا . يوم غادرنا
من البلدان العربية الى اوروبا في التاريخ التقريبي للهجرة الى الشمال الاوروبي
’ لمسنا حالة غريبة هي ان هناك احزابا عديدة لا تتدخل بشؤون احد لا معارك ’
لاتقارير تكتب من قبل الواحد ضد الآخر’ لا أمن يطارد غريبي الافكار ولم
المطاردة والجوسسة والاعتقالات والسجن والقتل والبكاء والتراجيديا والسفر
والهجرة والقصائد الدامعة ؟ ولم الحراس حول القصور .. لم كل هذا الوقت الضائع
والجهود الضائعة .. هناك انتخابات كل اربع سنوات تسفر عن صعود مجموعة من احزاب
ائتلافية ضد اخرى .. والتي تخسر الانتخابات تنتظر وتمثل المعارضة والعمل
السياسي حتى يقيّض لها  الصعود الى دست السلطة ثانية وهلم جرا .هنا الاحزاب
عديدة وعلى سبيل المثال’ يتاح للسحاقيات كرسي في البرلمان ... لا يوجد هنا منع
.. يوجد  استهجان  للآراء العنصرية التي يجري احيانا المجاهرة بها ’ لكن ومن
اجل معرفة دوافع التصريحات يصار الى دعوة المعني الى لقاء متلفز او صحفي اواية
ندوة يجري فيها الشرح والمناقشة وفي اسوأ  الأحوال تؤخذ غرامة رمزية على
التصريحات النادرة .. الدانماركيون مثلا لا يتشاجرون سياسيا ... لا تطرح
المناقشات الجادة على مائد الطعام بل فيما بعد واثناء شرب القهوة .. يفرحون
بالاختلاف لأنه نوع من الرياضة للعقل وللأمكانيات الذكية على المناقشة ..
ينتهون او لا ينتهون الى نتائج مهمة فذلك لا يهم .. المهم المصافحة والعناق
والضحكة والطرافة والتوديع من اجل لقاء آخر .وكل فرد من هؤلاء وهو ابن تربية
اسكندنافية تؤكد على عدم التدخل في شؤون الآخر واظهار الكياسة ودماثة الخلق
للآخر كجزء غير مفتعل على الاطلاق من التربية منذ نعومة اظفارهم .مالنا نمثل
الانسان الحجري في السياسة ؟ .نحن همج؟
   ان النص في المذكرات الروائية هذه ’ يحيلنا في جانب منه الى اليفاعة الادبية
وايام كنا نقرأ عن معنى الانسلاخ الطبقي . وحيث ينظم اديب اوثائر او سواه الى
طبقة اخرى ويدافع عنها ... هنا نجد الرغبة القوية بالانسلاخ الحضاري ...كتب
الدكتور صلاح (68): " شربت الاعتداد بالنفس والطموح ’ منذ البداية ’ وها انا
اليوم احاول شيئا مستحيلا . اريد ان اعزل حليب الأُم عن تلك الامراض الخطيرة
المعدية " واذ يضم الكثيرون صوتهم مع الاديب نيازي ’ فان التغيير مناط بالمناهج
التربوية التي تكون الشخصية العراقية او العربية المبارزة وتعدها الى الحياة
كما تعدها الى ساحة قتال او عرضات ! لقد كشف النص المسجل في ص(71) اهميته
الضرورية للغاية في اعادة بناء الشخصية العراقية على اساس انساني حضاري..يضع
نيازي النص امامنا ابتدءاً ومن ثم يعلق عليه " ... قال ودّاك بن ثميل المازني :
رويدا بني شيبان بعض وعيدكم .... تُلاقوا غدا خيلي على سفوان . تلاقوا جيادا
لاتحيد عن الوغى .......اذا ما غدت في المأزق المتداني . عليها الكماة الغر من
آل مازنٍ  ..... ألاة طعان عند كل طعانِ  . مقاديم وصّالون في الروع خطوهم ....
بكل رقيق الشفرتين يمانِ .اذا استتنجدوا لم يسألوا من دعاهم .... لأية حربٍ بل
لأي مكانِ ." انتهى النص الشعري ’ يعقب الدكتور نيازي : " .. قرأت الابيات عدة
مرات وبصوت ايقاعي . وحاولت في البداية ان اجد علاقة لي مهما كانت مع بني شيبان
وآل مازن . هل انا حقا من اولئك الذين يهبّون لكل حرب ’ وبأي مكان ؟ قلت بنفسي
لماذا لم يفتحوا الترع على نهر سفوان ’ فيزيدوا الارض خصبا وغناءا وجمالا ’
والاطفال عافية ؟ ولماذا لم يصوّر الشاعر " ودّاك " شروقا نقياً رحيما ’ او
غروبا احمر ناعما ’ فيجعل الحياة كبيرة كالجبل وملمومة كالرحم . لقد خذلتني
ياودّاك بن ثميل المازني وحق الكعبة ’ ما الذي افعله بشعرك في هذا البلد الغريب
؟ ".
   ان ناقدين مختلفين في عالمين متباعدين سيكتبان وبكل يقينية عن شعر المازني
بطريقتين متضادتين ... الأول يتفق مع نيازي ليؤكد بان الحياة الاوروبية في نمط
حياتها المتقدم باطراد يقتضي المثابرة العلمية والادبية والتحلي بخصال الحضارة
والاطلاع على الذات والآخر ... تقتضي الرفقة والسلام الاجتماعي كجزء مهم من
كينونة تربوية صاعدة .. ناقد ثانٍ يقول للدكتور صلاح ان من الاهمية بمكان ان
يتشبع الجيل بخصال الجرأة والنضال وروحية القراع والصراع والتعلم على الاحتراب
واعادة مجد الاجداد ولذا فان الشعر الحماسي يعد الجيل لمعرفة العدو والتصدي له
..واننا امة مكسورة لا بد من استعادة كرامتها .. وبالتالي فعلى كل بلد عربي
العمل على تحشيد افضل النصوص في خلق شخصية مستعدة معبأة مجاهدة مضادة ’ فلدينا
مهام كثيرة هي استعادة فلسطين حتى آخر شبر والاسكندرونة والاندلس وحتى جزيرة
ليلى المغربية وعربستان؟ والكويت ! .. وانت يادكتور !... وهنا يبدأ الهجوم  ! .
لسان حال هذا الناقد الفخور بالانتماء هو ان لا بد من اعادة مقالٍ الىكل مقام .
ان المازني افراز واقعي لظروف تاريخية وسمات المرحلة اياها .. ولا يصلح لمن
يفرح بالكومبيوتر الآن ان يسخر من رسائل البريد التي اعتمدت يوما ما على الطائر
الزاجل ... ولا يصلح الآن ان اعلم قصائد الميوعة في زمن الفروسية وضرورتها .
لكل زمان دولة ورجال ..ظروف استحكمت ’ واحكام اقتضت .
اما وجهة النظر الاخرى فهي التي تماهي في حاضرنا الحالي ما بين تجاوز المعضلات
العقدية في الصراع الكوني ’ وبين فتح الباب على السلام العالمي ليزدهي واقع
الحضارات بالاقمار والازهار وانتفاء العودة الى ودّاك ثميل المازني ..وزوال
اسباب تعلم فروسية اسالة دم الآخر ..
لا بد من الاشارة هنا الى اهمية طرح مواضيع اختلاف حضاري مثل هذه كيما يصار الى
مناقشة حيوية ومعاينتها بعين الماضي وجدواه والحاضر وقسريته’ والمستقبل ومصائره
..ان رواية او مذكرات الدكتور نيازي معبرة في انسانيتها ودفئها وهي كشف خلاق
مبدع عن بواطن جريحة واحداث اليمة قاسية وقاصمة .. وان في تضاعيفها سطورا لا
تقرأ بعيون جافة بل باهداب بليلة ..كما ان فيها تحليلا عميقا لبناء الفرد
والمجتمع وحتى التراث الشائه القائم على المخاتلة والادعاء والكذب واللصوصية
والخوف من الأنا العليا .. ها هي السطور المعبرة عن اغوارنا المقرّحة بالكذب
منذ الطفولة .. يقول الشاعر صلاح نيازي في ص ( 77 )  : " كتبت في بداية حياتي
الشعرية قصيدة على بحر الهزج ’ لم يبق في ذاكرتي منها سوى هذا البيت ’ وياليته
لم يبق : " تعالي ننهب اللذات من غفلات دنيانا " يقول الشاعر نيازي : الصبيان
انصع انعكاس للبيئة وللتراث . هل صنعا من عجينتي البريئة مخلوقا كاذبا ولصا
ايضا ؟ لم اكن في تلك السن قد عرفت الحب بعد ’ ولا اعرف ماهي اللذات التي
ذكرتها ’ ومن اين جاءتني " ننهب " من التراث ام من البيئة ؟ لاسيما اذا اقترنت
بغفلات ؟ أهذه صورة حب طبيعي ’ ام انها عملية سطو ؟ ولكن سطو على من ؟ على
دنيانا ؟ لماذا عاملتها معاملة عدو لايرحم ؟ ثم لماذا قلت " تعالي " باستعلاء ؟
لماذا لم اقل دعينا ’ او هيّا ... في البيت اعلاه الذي يتكون من ثلاثة افعال
وثلاثة اسماء ’ خمس مخالفات قانونية مرة واحدة ’ والاثم الأكبر انها كلها كذب
بكذب" .
ان اخضاع المقطع المار الذكر الى المزيد من التشخيص التربوي اومقايسته بادنى
منظومة فكرية آدمية ! يعطي مؤشرات خلل سايكولوجي شنيع يخص كل فرد منا .انه يثلم
طهرانية تعاليمنا ويسخف نظرتنا للانثى ’ التي نتعامل معها بفعل الامر والنهي
... المراة في البلدان العربية او ربما النامية محرومة من الفعل المضارع ..و (
هل ؟ ) واخواتها !
   ان الامثلة الجميلة الباهرة تتلامع في نسيج الذكريات هذه ..والقراءة
العراقية لهذا الكتاب أي ان يقرأه العراقيون خاصة اقرب الى الاحساس بالواقع ’
لأن الكتاب يضرب على الوتر الحساس للقلوب المهاجرة .
واخيرا ...فاجمل ما في هذا الكتاب انه يقرأ لمرة واحدة وبلا فتور وبتشويق
متصاعد . انه بحق وحقيق غصن مطعم بشجرة غريبة .