الفصل الثاني : - مذكرات حردان عبد الغفور التكريتي           

 

انشر هذه المذكرات لماتحتويه من فوائد, واسرار تاريخية حول ارهاب, ومؤامرات البعث الاسود من جرائم قتل, وتعذيب, وتهجير جماعي قل نظيرهما في الحكومات, والانظمة السالفة , وعلى لسان احد اقرب الناس انذاك من الرئيس المقبور احمد حسن البكر , واحد رموز وقادة ومؤسسين هذا الحزب الاسود املا في استفادت الشعب العراقي وغيره  من    هذا الحقيبة التاريخية الهامة من تاريخ العراق                                                                 

محمد كاظم الجادري ........   ( ابو ميثم الحياوي ) .

الفصل الثاني من المذكرات.  ( حردان عبد الغفار التكريتي) ..............  :- دورشركة نفط العراق البرطانية في انقلاب    30 / تموز :- لقد سمعت وقرأت تفسيرات كثيرة عن اسباب انقلاب 17/ تموز / 68 وانقلاب 30 / تموز / 68 وكنت في كل مرة اشعر بالحاجة الى الظحك الطويل على ما يكتب في تفسير احداث المنطقة . ولهم الحق , فإن ما يجري وراء الكواليس ليس من النوع الذي يستطيع الجميع ان يكشفوه , انه مثل الحديث الصحفي الذي ليس للنشر . ولقد اوضحت ل (( ابو هيثم )) عدة مرات شعوري العميق بضرورة القيام بعمل , لانقاذ العراق من (( استعمار الكواليس )) , - حسب تعبيري الخاص – وكل مرة كنت اواجه ضحكة عريضة منه , اسمع بعدها كلماته التي كانت تبدو متقطعة يقول باللهجة العراقية - : (( اشبيها الكواليس ؟ مو هيه اللي جاببتك عالوزارة , وجابتني عالرئاسة ... خليه مستورة )) . ولو اني سئلت الان عن اسباب انقلاب 17 / تموز , وانقلاب 30 / تموز لما ترددت في الاشارة الى واشنطن كجواب على السؤال الاول , والى بريطانيا كجواب على السؤال  الثاني : فقد اعلن الرئيس السابق عبد الرحمن  عارف , قبل انقلابنا بشهرين على تعديل في اتفاقيات النفط لصالح شركة( ايرب الفرنسية ) , وقد طلبني ابو هيثم عشية اعلان الحكومة عن هذا التعديل , وشرح لي اهمية هذا الاعلان , واثاره السئة على علاقات كل من العراق – بريطانيا – والعراق امريكا . وذكر ان علينا ان نستغل هذا الوضع الجديد للقيام بعمل ما . وجرت بعد ذلك اتصالات بيننا وبين صدام الذي كان اذ ذاك في بيروت , واخبرناه بضرورة اقامة حوار عاجل بينه وبين السفارة الامريكية , واخبرناه باجراء اتصال مع عفلق بهذا لشأن . وبعد اقل من اسبوع اخبرنا صدام بأن الحكومتين ابدتا استعدادهما للتعاون الى اقصى حد بشرطين : الاول – ان نقدم لهما تعهدا خطيا بالعمل وفق ما يرسمونه لنا . والثاني-  ان نبرهن على قوتنا في الداخل وتقرر ان يقوم حزب البعث بتنظيم مظاهراة ضد عبد الرحمن   عارف كتدليل على القوة , وفعلا نظم الحزب تظاهرة ضخمة بالتعاون مع الشيوعين والدينيين , وكان يمشي امامها ابو هيثم وانا  وعماش وبعض (( الرفاق )) . وقد اخبرتنا السفارة الامريكية في بيروت انها على استعداد للتعاون على ان (( نتساهل )) بعد نجاح الانقلاب في مسأ لة النفط مع الشركات الامريكية , ووافقنا على الشروط . وبعد ثلاثة ايام جاءنا من السفارة الامريكية من يقول : ان علينا ان نتعاون مع آمر الحرس الجمهوري لعبد الرحمان عارف : عبد الرزاق النايف , وان علينا ان نمشي وفق الخطة التي سيرسمها لنا . وقد التقينا به في سيارته الخاصة ليلة 12 / تموز / 68 , واتفقنا معه على كل شيء . ولا اريد هنا الخوض في كيفية وقوع الانقلاب , ولكن الذي ادهشنا جميعا ان الانقلاب نجح اسرع مما كنا نتصوره , فقد رفع عبد الرحمن عارف يديه علامة الاستسلام بمجرد ان اطلق جماعة عبد الرزاق النايف ثلاث طلقات خارج غرفته صباح يوم 17 / تموز . ولم تمر ستة ايام فقط على الانقلاب حتى اتصلت بنا السفارة البرطانية في بغداد بشكل سري وذكرت خطورة الاستمرار في السياسة التي اعلنها عبد الرزاق النايف بصفته رئيسا للوزراة في مؤتمره الصحفي الاول والاخير الذي عقده اثناء رئاسته للوزراة , والذي قال فيه : ان حكومته ستتخذ اتجاها مستقلا في قضايا  النفط , وانها ستعيد النظر في كل الاتفقيات المعقودة بين العراق وبين شركات النفط .                                                                                                      

وذكرت لنا السفارة انها مستعدة للتعاون معنا الى ابعد حد لاسقاط عبد الرزاق النايف , واصدقائه, واعطاء حزب البعث الذي كنا نتمنى اليه سلطات مطلقة للسيطرة على العراق. . . وهكذا دبرنا انقلاب 30 تموز الذي اقصي فيه عبد الرزاق النايف , وزير الحربية , وقائد الاركان , ومجموعة من الوزراء . وبعد نجاح الانقلاب الذي قاده هذه المرة (( ابو هيثم )) نفسه وخططته شركة نفط العراق البريطانية , الغينا اتفاقية شركة (( ايرب )) الفرنسية الموسعة , وكتفينا معها بالاتفاقية المضيقة التي كانت حكومة عبد السلام عارف قد عقدتها في ذلك ان تلك الاتفاقية كانت ظالمة , واننا سنعيد النظر في كل الاتفاقيات . كما الغينا فيما بعد صفقة الطائرات التي كان قد وقعها عبد الرحمن عارف مع حكومة فرنسا , بحجة اننا لدينا طائرات حربية بقدر الكفاية . والجدير  بالذكر ان تعين سعدون حمادي المهندس  السابق في شركة نفط العراق وزيرا للنفط العراقي كان من قبل السفارة البريطانية في بغداد وهو ليس من حزب البعث , ونما هو مجرد مهندس سابق في الشركة المذكورة ويعتبر حتى الان اقوى الوزراء إطلاقا وقرارته تنفذ من قبل الجميع .

  

قصة مؤامرتنا . . . وقضايا ايلول                        

يجب علي ان اعترف بأ ن آ مال (( ابو هيثم  )) : عريضة جدا , وهذا ما يحمله على ان يبدد اموال العراق في موارد لا طائل تحتها طلاقا .                                                 

وكمثال على ذلك فهو يعتقد ان على حزب البعث ان يبسط نفوذه على كافة الدول العربية , في اقل من عشر سنوات . ولكن عن اي طريق ؟                                                   

طبعا الانقلاب العسكري هو اقصر الطرق في نظره ولكن  حتى الانقلاب العسكري يحتاج    الى تمهيدات قد تستمر سنوات غير ان (( الرئيس )) يعتقد ان (( المال )) هو خير تمهيد لذلك .                                                                                                        

اما التخطيط الذي يسير عليه حزب البعث في تحقيق الامال العسلية , فيعتمد على النقاط الرئيسة التالية :  1 – لا بد من السعي قبل كل شيء لانتزاع القيادة من القاهرة , باعتبار ان الدور  القيادي للقاهرة قد انتهى , وذلك بالطرق التالية : واحد , اتخاذ مواقف ثورية متطرفة في القضايا العربية , والاستفادة من ذلك اعلاميا لكسب اكبر عدد ممكن من      الشباب في العالم العربي , الى جانب الحزب الحاكم .                                              

إثنين , شراء الصحف الناصرية التي تصدر في خارج مصر , صحيفة صحيفة , لتحويل الناصرين الى بعثين او على الاقل مسيرين من قبل البعث . ثلاثة , شراء اعداء النظام الناصري , من المصرين وغير المصرين لحشدهم ضد مصر , ومن ثم لجعل القاهرة امام

عدو داخلي يلهيه عن التعرض للبعث . ويعتقد ابو هيثم تبعا لعفلق , ان وضع مصر بعد الهزيمة سيمكن البعث من انتزاع القيادة منه الى الابد , وذلك لان العجز الاقتصادي في مصر وارتباطاته الدولية تمنعه من التغلغل كا لسابق في الدول العربية , مما يفتح مجالا لحزب البعث , للقيام بدور مماثل .                                                                      

2 – القيام بتنظيم حزبي داخل كل الدول العربية , لادخال اكبر عدد ممكن في الحزب , وتحريكهم وقت الحاجة . وقد تم حتى الان بعض الخطوات لتحقيق ذلك , وعهد الى السفارات العراقية في العواصم العربية القيام بذلك خاصة ما يتعلق بشراء الصحف والقيام بتنطيم الشباب . وكتجربة أولية فشل ابو هيثم في القضية , اذ بعد قبول عبد الناصر بمشروع (  روجرز)  اجرت حكومتنا اتصالات سريعه مع سفاراتنا في الدول العربية لتنظيم مظاهراة معادية ضد عبد الناصر , واعطيت لهم الصلاحيات التامة في صرف اي كمية من الاموال في ذلك , ولكن قلة المنظمين – بالفتح – في تلك العواصم جعلتنا نمنى بفشل كبير في تنظيم المسيرات الا في بعض القرى اللبنانية .                                    

لكن آمال ابو هيثم تمنعه من الرجوع عن خطته لنقل القيادة من مصر الى بغداد , ولا يزال يصرف حتى الان مليون ومائتي الف دينار عراقي شهريا في لبنان فقط , كما لا يزال يصرف 950 الف دينار عراقي شهريا في سوريا , و860 الف دينار في القاهرة , و900 الف دينار في الاردن و500 الف دينار في اليمن الجنوبية وما يقارب من ذلك في الجزائر .. ما عدا الاموال التي تصرف لامور طارئة كتنظيم مظاهرات مثلا ..                  

3 – القيام بتدخل عسكري في الاردن لقلب نظام الملك حسين او العمل لقيام انقلاب موال للحزب ثم التآمر بعد ذلك على البعث السوري , ثم على لبنان لاحياء مشروع الهلال الخصيب , مما يعطي الحزب – بعد نجاح المشروع – قدرة تحرك واسعة في كافة الدول العربية . والحقيقة ان هذه الخطط لم تأت بأية نتائج سوى ان بعض الحكومات المجاورة مثل الكويت بدأت تتخوف منا , ومن ثم تعطينا بعض التنازلات في القضايا التي لا تمس أمنها . والخطط تبدو صبيانية الى درجة ما , ولكن اية خطة من خطط ابو هيثم لم تكن كذلك ؟ . لقد كلفتنا معاداة الرئيس الراحل جمال  عبد الناصر الكثير , الكثير , سياسيا وماديا ولم تكن نتائجها , إلا عكسية لما كنا نتوقع , ولكن ابو هيثم كان – وربما لا يزال – يصر على متابعة المعاداة حتى يتم انتزاع القيادة من القاهرة ولا اظن ان (( الرئيس )) ينسى الخسارات الكبيرة التي تكلفناها بسبب  محاولة الانقلاب الفاشلة التي دبرناها ضد حكم الرئيس نور الدين الاتاسي ؟ . كما لا اظن انه ينسى الخسارة المعنوية التي تحملناها بسبب موقفنا غير المشرف من المقاومة الفلسطينية في حوادث ايلول الشهيرة ؟ . والرئيس – كما قلت – رجل آمال عراض تبتدىء ولا تنتهي ولذلك فهو ماض في سياسته مهما كلفه الامر . وهنا لا بد لي من توضيح موقفنا من قضايا الاردن .. هذا الموقف الذي جرنا عشر سنوات الى الوراء , والذي كان احد الاسباب غير  المباشرة لاعفائي من مناصبي .         

فقد كانت خطتنا مبنية على اساس ضرورة التعاون مع الملك حسين , لضمان بقاء الجيش العراقي في الاراضي الاردنية , ليس تحسبا لهجوم اسرائيل على العراق , فقد اتفقنا مع اسرائيل بعد شهر من انقلاب 30 / تموز وبالضبط 29 / آب / 68 , على عدم شن اي هجوم على جيشنا أو على العراق في مقابل عدم اشتراك الجيش العراقي في اي عملية ضد اسرائيل , او حتى في صد اي هجوم على الاردن , وفي مقابل السماح لليهود العراقين بالهجرة الى اسرائيل عن طريق قبرص . هذا الاتفاق الذي تم بيننا وبين اسرائيل عن طريق عفلق و (( اللورد سيف )) عميد الصهيونية في لندن . في مدينة باريس قد احترمه الجانبان حتى الان , فلم تشن اسرائيل اي هجوم بعده على جيشنا , ولم يشترك هذا الجيش في اي عملية ضد اسرائيل , كما اعطي الرئيس في بيان رسمي كافة حقوق المواطنة للجالية اليهودية بما في ذلك حق الهجرة الى خارج العراق , اي الى اسرائيل وإنما كنا نريد بقاء الجيش هناك الاستكمال سلسلة مؤامرات كنا نقوم باعدادها للقيام بانقلاب عسكري

ضد الملك , بتدخل من القوات العراقية .

تم الفصل الثاني من المذكرات ....... محمد كاظم الجادري ......  ( ابو ميثم الحياوي

mohamed.aljaderi@chello.at