الفصل الرابع من مذكرات حردان عبد الغفار التكريتي  

       

انشر هذه المذكرات لما تحتويه من فؤائد واسرار تاريخية حول أرهاب ومؤامرات البعث الاسود من جرائم قتل وتعذيب وتهجير جماعي قل نطيرهما في الحكومات والانظمة السالفة وعلى لسان احد اقرب الناس انذاك من الرئيس المقبور احمد حسن البكر وأحد رموز وقادة ومؤسسين هذا الحزب الاسود . املا في استفادة الشعب العراقي وغيره من هذا الحقبة التاريخية الهامة من تاريخ العراق .                                                                    

حردان عبد الغفار التكريتي : - المذكرات – بعد مضي أقل من شهر من اعتقال بعض كبار رجال الدين الشيعة سافر الشيخ محسن الحكيم الى بغداد بحجة المرض , وكان يقصد بذلك عرض القوة التي كان يتمتع بها وفعلا لقد جاءت اليه الوفود من كل مكان وعندما زاره أثنان من مسؤلينا موفدين من قبل الرئيس خاطبهم بلهجة  قاسية مطالبا اياهم الافراج الفوري عن رجال الدين , والكف عن ملاحقة آخرين . وقد اثارهذا الامر ابو هيثم , مما دفعه الى اتخاذقرار بالقضاء على المرجعية الشيعية قضاء كاملا في انحاء العالم ودعانا الى الاجتماع به حيث كلف لجنة مؤلفة من : طه الجزراوي . وناظم كزار .وعبد الوهاب كريم . وشبلي العيسمي وصالح مهدي عماش بوظع خطة لذلك , وذكر : ان نجاحنا في ضرب المرجعية الشيعية سيمكننا من التحرك كما نريد لانه سيصفي لنا الجوبالتخلص من اكبر قدرة لا مصلحة لها في التقرب من الحكم – كما ظهر الان – وهي قدرة تتمتع بسلطة كبيرة على الشعب , ولا تبالي بالموت وثورة العشرين ضد الاستعمار البريطاني اكبر دليل على ذلك .. ثم اخرج من فتحة الطاولة التي كان يضع فيها مسدسه الخاص ذا اللون الاسود

, رسالة جوابية من عفلق حيث يظهر انها كانت بشأن المرجعية  الشيعية التي بدأت تقلق بال الحكومة , وتثير في وجهها بعض الصعوبات وقد قرأ الرسالة التي  ذكر فيها عفلق انه سيصل الى بغداد قريبا , ليبحث الموضوع في كافة جوانبه .                                      

وفعلا فقد وصل بعد أقل من أسبوع من تاريخ الرسالة , واستقبلناه اسقبالا دافئا اشتركنا فيه جميعا – سوى الرئيس – ولكنا لم نعلن عن وروده الا بعد يومين , لان ذلك كان ضروريا للحفاض على حياته نظرا لسمعته غير الطيبه  لدى العراقين , الذين كانوا يحملونه مسؤلية اجراءات الحكومة العنيفة .                                                        

وقد بقي في العراق ثمانية أيام سافر بعدها الى لبنان لقضاء فترة الصيف , بعد أن حصل على جواز سفر دبلوماسي من الدرجة الاولى .. كما حصل على مثل ذلك ابنته  البالغة من العمر أحد عشر سنة فقط وخلال وجوده في العراق جرى مناقشة الخطة التي وضعها كل من : طه الجزراوي وناظم كزار وعبد الوهاب كريم , وشبلي العيسمي , وصالح مهدي عماش , واتفق على الخطوات التالية : أ – استمرار الحملة ضد رجال الدين , وعتقال  اكبر عدد ممكن منهم , والاعلان عنهم كجواسيس يعملون  لحساب ايران , بدل اسرائيل ذلك لان عمالة رجال الدين لاسرائيل امر لا يمكن تصديقة , ولكن ما دامت ايران دولة شيعية فأن من المحتمل تصديق عمالتهم لايران . وقد تم في تنفيذ ذلك : 1- أعتقال اكثر من مأتي رجل دين في  النجف وكربلاء .                                                        

2-انتزاع اعترافات من بعض السياسيين بشأن تعاون رجال الدين معهم في التجسس .

ب – التسلسل الى صفوف رجال الدين الشيعة في محاولة لاحتوائهم , وضرب بعضهم ببعض .. ج – اختلاق مجموعة رجال دين مزورين , وفرضهم على الشعب باعتبار انهم الذين يمثلون رجال الدين الواقعيين والتعامل معهم كممثلين وحيدين عن التشيع . وقد تم في تنفيذ ذلك : 1- أدخلنا ما يقرب من 150 شاب بعثي في صفوف رجال الدين .           

2- فرضنا على الناس التعامل مع الذين تعينهم الحكومة , وليس رجال الدين الحقيقين , ولذلك فقد تقرر إلغاء شهادة رجال الدين كلهم الا اذا تجددت من قبل رجال الدين الذين عيناهم نحن . 3- حاولنا اغتيال موسى الصدر في بيروت بعد ان قامبتحركات ضدنا – تمهيدا لتعين احد عملائنا خلفا له كرئيس للمجلس الشيعي الاعلى . 4- أرسلنا الشيخ علي كاشف الغطاء – وهو عميل تقليدي للحكومات العراقية على اختلاف اتجاهاتها , وغير مؤيد من قبل الشعب اطلاقا – ارسلناه الى بيروت وجندنا كافة وسائل الاعلام لالقاء الضوء عليه كمرجع أعلى  للطائفة الشيعية .  د- القيام باغتيالات فردية في صفوف رجال الدين القانطين في ايران .. لبنان ..الهند .. باكستان .. أفغانستان .. وفي تنفيذ ذلك قمنا بمحاولتين فاشلتين الاولى – تتعلق باغتيال الشيخ محمد شريعتي في باكستنان , والثاني – تتعلق باغتيال الشيخ رجب احمد في الهند , ولكننا نجحنا في اغتيال الشيخ عبد الامين الصالح في الهند . ه – تقليص  نشاطات رجال الدين وحصرها في إقامة الصلوات واعطاء المسائل الشرعية وذلك بالغاء اجازات مدارسهم , ومستشفياتهم ومكاتبهم العامة .. سواء التي حصلو عليها من حكومات سابقة او من حكومتنا , ومصادرة اموالها او تجميد ارصدتها . اولا – إن الشعب زاده من تمسكه برجال الدين في اول بيان اصدرناه عن عمالة رجال الدين رجال الدين . فقد التف الشعب أكثر حول الشيخ محسن الحكيم عند ما اتهمناابنه الاكبر الشيخ مهدي بالتجسس لحساب الملا مصطفى البرزاني , الذي اتهمناه بدوره بالعمالة لحساب الصهيونية العالمية والاستخبارات المركزية .                         

ثانيا – لم يعترف اي رجل دين بالعمالة رغم ثقل التعذيب الذي تحملوه , وقد مات عدد منهم في مستشفى اليرموك بفعل التعذيب من دون أن يعترف بالمسرحية التي طالبناه بالاعتراف بها .. ثالثا – لم يتجاوب الشعب مع الذين زورناهم في رجال الدين , بل انهم أخذوا يواجهون التحقير والازدراء من قبله. ذلك لان تكوين الشعب العراقي لا يسمح بنجاح التزوير في رجال الدين خاصة الشيعة الذين لا يرتبط رجال دينهم بالدولة اطلاقا , لانهم لا يعيشون على  أموال الدولة .  ربعا – طوينا خطة اغتيال موسى الصدر في لبنان بعد ان نصحنا الكثيرون من اصدقائتا بذلك . باعتبار أن الامر في بيروت يختلف عنه في بغداد , وأن القضية هناك لا بد أن تنكشف مما سيثير غالبية البنانين ضد حكمنا نظرا للشعيبة التي يتمتع بها موسى الصدر بينهم , والصفة الرسمية التي يحملها .. ( وأظن أن امكانية اعادة الخطة امر وارد في حساب ابو هيثم ) .                                                               

خمسا – لم ننجح في اعطاء الشيخ كاشف الغطاء صفة المرجع الاعلى , بعد ان فشل في مؤتمره الصحفي الذي عقده بفندق كارلتون في بيروت , وبعد أن نشرت ضده المناشير الكثيرة وعن عمالته سابقا لقاسم , ومن بعده لعبد السلام ثم لعبد الرحمن , من جهات شعبية كثيرة ... وكلفتنا سفرته مع ما رافقتها من ملابسات , واموال صرفت على الصحفيين وبعض السياسيين , كلفنا اكثر من عشرين الف دينار .. ولكن بلا اي نتائج , بل ان بيان السفارة العراقية بشأن أن الشيخ كاشف الغطاء هو المرجع الاعلى سبب لنا ازمة سياسية ... وبالرغم من كل هذا الفشل الذريع , فقد اصر – ولا يزال طبعا – ابو هيثم أن نمضي قدما في حرب المرجعية الشيعية .. وهنا لا بد من التذكير بنقطة هي اكثر خططنا فشلا كانت هي التي يضعها , ويصر على تنفيذها ابو هيثم , ذلك لانه لم يكن يقبل المناقشة , أو النقد , فقد كان يمارس الدكتاتورية معنا جميعا ,وفي مثل هذه الصورة هل نستطيع أن نخالف آرائه ؟ إن المشكلة لم تكن فقط في دكتاتوريته , وانما في نقطة اخرى انه كان – ولا يزال – ربما – سيىء الظن , وشكاكا الى ابعد الحدود. فقد كان يشك بعض الاوقات حتى في ابنه هيثم وزوجتة الحاجة – كما كنا نسميها – وقد ذكر لي مرة أنه بدأ يشك في ((هيثم )) وقال بالحرف الواحد – اخاف أن يفعل بي ما فعل ابن المتوكل بأبيه ووضعه لعدة مرات تحت المراقبة , كما أرسله مرة الى لبنان واناط الرقابة عليه على السفارة العراقية في بيروت . ولم  يكن سؤ الظن ينتهي بسهولة , اذا كثيرا ما كان يودي بحياة أحدنا .. مثلا شك الرئيس مرة بعبد الوهاب كريم , عضو القيادتين القومية والقطرية , بسبب نصيحته التي أسداها اليه بشأن القوميين الذين كان من رأي عبد الوهاب ضرورة التعاون معهم بدل اعتقال زعمائهم أمثال (( صديق شنشل )) فوضع خطة لاغتياله عن طريق جماعة صدام (( ميليشياالفداء )) وتم تنفيذالخطة بشارع الجمهورية ببغداد حيث قتل  باطلاق (( مجهولين )) النار عليه , ثم اعلنت وسائل الاعلام عن مقتله بحادث اصطدام , وانعقدت الفواتح على روحه , واعلن الحداد عليه ثلاثة أيام . ولاجل ذلك كان علينا أن نصادق على خططه مهما بدت فاشلة , وقد ابديت انا استيائي من هذا الوضع الى بعض الزملاء , وعلى الاخص سعدون غيدان الذي بدى انه مستاء جدا مثلي . وديكتاتورية  الرئيس لم تكن مستورة , فقد بدأ الشعب كله يتذمر منها , لان الدكتاتورية الفردية لا تحتاج الى ابواق لتكشف عنها .. فهي تكشف نفسها بحوادث يومية تقع هنا وهناك .اليس يتسائل الشعب مثلا عما اذا كانت وزارة اق التي تضم 25 وزيرا تختلف عن بقية الوزارات ؟ بل هذه الوزاراة لم تجتمع مرة واحدة خلال كل المدة التي اعقبت 17 تموز ؟ إن الشعب الذي يستمع اليوم الى الاذاعات . ويطالع المجلات العالمية , والذي يسمع ويقرأ أن الوزارة الكذائية في البلد الكذائي اجتمعت اجتماعا عاديا أو استثنائيا ألا يتسائل لماذا لا تجتمع وزاراتنا لا عاديا ولا استثنائيا ؟                                                                         

تصفية الحسابات مع الاعداء                                                     

بعد انتهاء دور (( شبكات التجسس )) في تبرير اعداماتنا جاء دور (( مؤامرات لقلب نظام الحكم )) , وكانت أول (( مؤامرة )) موهومة دبرها لنا الجنرال بختيار , بعد وصوله بأسبوعين هي المؤامرة التي اتهمنا فيها ايران و واغلقنا على أثرها السفارة الايرانية والقنصلية الايرانية في البصرة وكربلاء . تلك المؤامرة التي راح ضحيتها 87 شخصا وليس 42 شخص كما اعلنا . والواقع فاننا التقطنا الاعداء كلهم من جميع انحاء العراق وكان اكثرهم من القوميين وبعض البعثين جناح سوريا (( وبعض الملاكين )) وبعض أعداء بريطانيا واعدمناهم في ليلة واحدة , ولم تكن محكمة الثورة التي عقدنها )) إلا كذبا , وقد قررنا بعد انتهاء دور (( المؤامرة )) ان نصفي اعداء الخارج ولم تنفع  كل المحاولات التي بذلناها لمنع حدوث ذلك ... فبعد الاعدامات تلقينا رسائل من جملة الدول العربية تنصحنا بضبط النفس . لان الامر يتم على حساب السمعة العربية في العالم .. ولذلك فقد تم اعدام جماعات اخرين سرا .. وهنا لابد من توضيح نقطة وهي دوري في تخفيف التوتر العالمي في تلك الاعدامات , فقدكلفت بعدها بالسفر الى بيروت لمباركة خطوات  الحكومة بشأن المؤامرة المزعومة تمهيدا للكشف عن مؤامرات اخرى .

وقد وضعت تحت تصرفي في هذه السفرة خمسة وسبعين ألف دينار لتوزيعها على اصحاب الصحف والمجلات هناك . كما كلفت بالاتصال بالسفير البريطاني لمطالبته بمنع الصحف والمجلات  البريطانية عن التعليق على انباء المحاكمات نظرا للتاثير السيء الذي كانت تتركه على  سمعتنا إذاعة لندن , بنشرها مقالات تلك الصحف والمجلات .

محمد كاظم الجادري     ..................     ( ابو ميثم الحياوي )