زفرات هاربة من قفص
ذكريات سجينيلح الكثير من الاخوة بكتابة بعض من ذكريات ومشاهدات من خلف قضبان السجون ، من
بين عفونة جدران الامن العامة ، من خلف جدران بيت سمير غلام الذي تحول الى
مديرية امن تُرتًّل فيه ايات الرعب بدل ايات الرحمة الربّانية ، ذكريات تحمل
عبق الحقيقة المغموسة بدم الطفل الذي نزف حتى الموت ، مغموسة بدم البنت التي
فقدت بكارتها ، دفعت رمز عفتها لتحافظ على عفة غيرها ، مغموسة باحلام الشاب
الذي سالت منه حتى الموت احلام بعراق وردي اللون بلا اغلال ، احلام بحبيبة يهمس
باذنيها بلا خوف من جاسوس الامن . والقائمة تطول ، يعتبون يقولون ان هذه
الذكريات ليس ملك لنا بل ملك التاريخ التي ستضيع ان لم تأرخ ومع تقادم
الجريمة سيغطيها تراب النسيان ، ثم لابد ان نفضح الجلاد فلا زال الكثيرون
يعتقدون انه بطل العروبة ورمزها حامي شرف العربيات فكيف بالحرائر الماجدات
العراقيات كما يسميهن ، نعرف هذا ، لم نغفل لكن نعرف ان لهذه الذكريات شواهد
وابطال لازالوا في قبضة الجلاد ، وان موّهنا عن الحقيقة بعموميات بلا شواهد
حسية وارقام شاخصة فقدت قدرتها على تحريك الضمائر فقدت لونها وطعمها ، لكن رغم
ذلك رشح شيء منها ، رغم انه لايمثل رقما يذكر قياسا للحقيقة المذهلة ، كتب-
سليم العراقي - اوراق مهربة وكتب دكتور حسين الشهرستاني الهروب الى الحرية ،
وكتب اخروف بعض ومضات في صحف المعارضة وعلى الانتر نت ، وكتب اخرون وتوقفوا عن
نشرها قبيل طباعتها ، وهذه رشحة منها ربما ستكون كلمات هاربة من بين قفص
الذكريات الذي نمنع انفسنا ان ننساه ولكن بصمت لتكون شقشقة واحدة بلا عودة ،
وربما تتوالى منها شقشقهات ، او قل اذا شئت زفرات ، الله العالم .
لااتكلم عن نفسي فلازلت اقوى على ان ابوح ببعض اسراري مع الايام ، ولكني
اتحدث عنه ، الذي لم يعد قادرا حتى على ان يحكي قصته .
كان شابا بعمر الورد لا بل قل بعمر وريدة لم تتفتح بعد ، لازالت في اول
ساعات التفتيح ، يفوح عطرا وحبا وادبا وشبابا وحيوية ووسامة ، سيد ( ح ) من
البصرة الحالمة على ضفاف شط العرب لم يتجاوز عمره السابعة عشرة او الثامنة عشر
، طالب علوم دينية في النجف الاشرف
ربما كان يحلم بان يكون عالما كبيرا او وكيلا لاحد مراجع الدين في مدينته
ايقضته يد الجلاوزة بدعوته خمس دقائق كالعادة ، كان من عائلة ملتزمة اعتقل مع
اخيه الكبير السيد ( ص ) - كان في منتصف العقد الرابع - وزوجة اخيه وبنت اخيه ،
ربما اخرون لكن هذا القدر الذي اعلمه منهم ، كانوا من عائلة معروفة شريفة
ومحترمة في منطقته .
عذبوه تعذيبا شديدا ، وعلقوا بنت اخيه عارية امامه ، جن جنونه ، ربما لم يكن
يعرف حتى لون الدم ، لم يكن يعرف حتى لون الجسد العاري ، ربما لم يكن يعرف حتى
....قبل تلك الدقائق المرعبة ، فاذا به يرى بنت اخيه الطفلة التي لا نستطيع حتى
ان نقول عنها شابة بعمر حوالى خمسة عشر عاما عارية معلقة الى السقف والذئاب
تنظر اليها بعين حمراء ، ماذا راى اكثر لاادري ، السيد ( ص ) ادخلوه من اجل
اخذ الاعترافات منه الى غرفه وجد فيها امراة مغطات الراس - اعتقد السيد ( ص )
انها زوجته ولكنها لم تكن في الواقع زوجته - كانت جالسة على قنينة زجاج والدم
الطاهر يسيل من بين افخاذها على الارض كانت روحها على ما اعتقد السيد ( ص )
وربما كان الارجح قد فاضت لهول مابها من الم جسدي ونفسي .
لم اكن اعرفهما في مديرية الامن عرفتهما وعرفت قصتهما في ابوغريب بداية
الثمانينات من القرن المنصرم، في الاحكام الخاصة - يعني السياسيين ، في المغلقة
- يعني الذين لايسمح لهم بمواجهة اهلهم ، في ق1 المعقل الاول لسجناء الحركة
الاسلامية بعد العفو الصادر عام 1979 ، ليت الموضوع وقف عند هذا ، استمر
التعذيب لهم ولغيرهم في السجن رغم ان الجميع قد حكم عليهم ومن المفترض انهم قد
اخذوا جزاءهم على زعم النظام لقاء جرائرهم ، قلة الغذاء التعذيب اليومي الحرب
النفسية ، ............الخ ، وكانت صور الذكريات المرة لاتفارق عيني - السيدين
ح وص لاسيما صوت البنت الصغيرة المعلقة عارية وهي تصرخ ، والمراة الهامدة
الساكنة فوق قنينة الزجاج الدامية ، جن جنون السيد ( ح ) بالكامل فقد السيطرة
تماما على عقله ، وعاش السيد ( ص ) بازمات نفسية شديدة لكنها لم تصل الى حد
الجنون المطبق كاخيه الصغير .
وليت الامر انتهى عند هذا الحد لهانت ، فقد اكتشف احد رجال الامن جنون السيد
( ح ) فتفتقت عبقريته الاجرامية عن فكرة ، رجل الامن هذا كاغلب رجال الامن ،
كانوا لايتجاوزون العشرين من العمر نزقين الى حد الطفولة رعونة ورغبة
بالاستمتاع بتعذيب الاخرين والتفنن بذلك فهي المجال الابداعي الاوحد لهم ،
المهم
ماذا كانت الفكرة ؟ ان يستعمل السيد ( ح ) في تعذيب الاخرين ، ولكن كيف ؟؟
بالعض نعم بالعض هل سمعتم كهذا ، فقد كان يامر السيد ( ح ) بان يعض السجين الذي
يريد ان يعذبه رجل الامن ، لتبدأ رحلة عذاب اخرى داخل نفس السيد ( ح ) فرغم انه
مجنون لكنه يعي ولو جزءأ مما يجري وفي بعض الاوقات التي تهدأ بها روحة يزداد
عذابا وتزداد حالته سوءأ ، اما السجين الذي يعذب فلا يدري ما يفعل ايصرخ من
الالم ؟ ام من الحزن على السيد ( ح ) الذي يحبه ويشعر بالامه وتقفز كل صور
التعذيب والمعانات التي اوصلت السيد ( ح ) الى هذه الحالة امام عينيه ليغرق هو
وكل السجناء بموجة من حزن سرمدي لن تستطيع كل نعم الارض ومتعها ان تمحيها من
ذاكرة سجين الى يوم القيامة ولا اظننا سننساها حتى بعد ذلك اليوم .
سجين
زفرات هاربة من قفص ـ ذكريات سجين/2
عن (ع.ج.الاعسم )
عرفته ( ع . ج . الاعسم ) في ظروف
قاسية جدا في احد زنزانات الامن العامة ،
شاب في الثلاثين من العمر تقريبا قصير نوعا ما
ضعيف البنية نحيل بشكل ملفت للنظر
بحيث انه قد وقع نظري على رقبته من الخلف في
احد المرات فكانت شيئا عجيبا من النحول
والضعف لايصدق الناظرانها رقبة رجل ، كانها
رقبة طفل مصاب بسوء التغذيه ، لكنه كان
مذهلا فيما يحمله بين جوانحه من نفس صلبة
كانها قُدّت من صخر ، رقيقا الى درجة تحسب
ان نفسه كانها تذوب رقة ، جمع هذه وتلك حتى صار
كيانا عجيبا لاتحس بوجوده الضاغط
والشاغل لحيز عندما تشعر بضيق المكان وزحمته
ولا تستطيع ان تسمع له تململا او تاوها
بل ولا حتى همسة من انين ، بقيت معه حوالي
شهرين في زنزانة واحدة لااذكر اني سمعت
منه كلمة اه ولا مرة واحدة ، رغم ما سارويه
بعد قليل .
كان خريجا لكلية الفقه في النجف
الاشرف ، اعتقل اواسط السبعينات وقضي فترة في
السجن لااذكرمدتها الان ثم اطلق سراحه عام 1979
( على الارجح )، سمعت عنه وعن قوة
ايمانه وبطولته قبل ان ادخل المعتقل ولكني لم
اره ، عندما دخل علينا في الزنزانة
رقم 2 في اواسط عام 1982 ، سمعت اسمه وعرفت انه هو
من سمعت عنه ، ثم عندما رايت من
عظم خلقه وكبير ايمانه ورقته المتناهية مضافا
الى ما سمعت عنه سابقا ، ازددت حبا
وتقديرا واحتراما له ، كان بودي لو اني في
لحظات همس اخوية اذكر له انني اعرفه
واذكر له مااعرفه عنه ، واكشف له عن شخصي ،
ليشعر ان هناك من يعرف قدره العالي
ويحترمه غاية الاحترام حتى ان كان بوضع مهين
في زنزانة رهيبة شبه عار الا مايستر به
عورته بمنتهى الصعوبة ، ثم انه من المحتمل جدا
انه يعرفني ، قد سمع عني هو الاخر
شيئا ما ، ولكنه لم يرني ، وانا متاكد انه لا
يعرف اسمي لاني لم اكن معروفا باسمي
الصريح في الوسط الذي يعرفه ، ولكني لم استطع
الكلام والبوح بهذه الاسرار له او
لغيره لصعوبة الظرف الامني كوننا في التحقيق
، وكل حرف قد يجر مصائب ويقتح ابوابا
قد لايمكن اغلاقها ، وجولات جديدة من التعذيب
الوحشي ، بل لم اذكر معرفتي به حتى
بع د سنوات طويلة جدا لاي شخص.
عندما اُدخل الى زنزانتنا كان
نازلا من مكان يسمى المستشفى ، لم يكن مكانا
للعلاج ولكنه مكانا للتعذيب ، لان ( ع .ج )
عندما اعتقل وعذب رفض الاعتراف بالعلاقة
التنظيمية مع حزب الدعوة التي اتهموه بها
واصر على الرفض ، كتب رجال الامن له
اعترافا على ورق لكنه رفض توقيع الاعتراف ،
وبعد الياس منه انزل الى احد زنزانات
الموقف ثم بعد فترة ارسلوا عليه وطلبوه
للتحقيق والتعذيب مرة اخرى وهذه المرة في ما
يسمى بالمستشفى ، اصر على رفض التوقيع ، وفي
احد حفلات التعذيب ضربه احد الوحوش على
احدى ركبتي رجليه بعصى التعذيب الغليظة - التي
تُسمى دونكي - ، وانزل بعد الياس منه
الى زنزانة رقم 2 حيث كنت هناك ، بعد فترة ورمت
ركبته التي ضُرب عليها وازداد الورم
الى درجة كبيرة جدا بحيث اعاقه عن القدرة على
تحريك رجله ثنيا وبسطا فلم يستطع حتى
الذهاب الى المرافق فكنا نحمله الى هناك
لقضاء الحاجة ، ، ماذا نفعل لحل هذه
المشكلة ، كان معنا عدد من طلبة كلية الطب
والطب البيطري ، ومنهم في الصف المنتهي ،
يعني ان لديهم من الامكانية العلمية ا لتي قد
تساعد في حل المشكلة ، قالوا لابد من
ان نفتح الورم لانه عبارة عن تجمع سوائل ودم
وقيح ، لاخراج هذه السوائل وتنظيف
المكان ، لايوجد حل اخر ، ولكن كيف من اين لنا
بمشرط ونحن ليس لدينا اي شيء حاد
ممكن ان يساعد على اجراء العملية ، جاءتنا
فكرة ، نصنع من احد العظام التي ممكن
الحصول عليها من الطعام ، نصنع من عظمة دجاجة
او عظمة لحم مشرطا للعملية وهذا ماكان
تم صناعتها بكسر عظمة مناسبة وبَرْدها لفترة
طويلة بالارض الاسمنتية ، كانت المسألة
مرعبة بكلها لان الجرح سيتلوث كيف يمكن فتحه
بمشرط من عظم بلا تعقيم ، ثم ان الجو -
هواء الزنزانة - مليء بالجراثيم لان عددنا كان
بين الخمسة والعشرين والثلاثين في
زنزانة عبارة عن غرفة بمساحة حوالي متران في
متران ونصف ولاتوجد فتحة في الزنزانة
الا فتحة بحجم خمسة وعشرون في خمسة وعشرون
سنتمترا تقريبا ، والمرافق الصحية (
اللاصحية ) داخل الزنزانة ، ولكن لم يكن من
خيار ، وتمت العملية بلا بنج طبعا
وبالمشرط العظم ، ولا اذكر اني سمعت منه كلمة (
اه ) حتى اثناء اجراء العملية في
هذه الظروف ، ولم يتلوث الجرح وشفي منها ولله
ا لحمد .
بعد ايام اخرجت الى محكمة
الثورة مع مجموعة من خيرة الشباب ، ليحكم على
اغلبنا
وبالجملة حسب تسلسل الارقام المجرم مسلم
الجبوري بالاعدام ، ويساق القلة الباقية
ممن لم يرزقوا الشهادة الى سجن ( ابو غريب )
وكنت منهم ، ظل قلبي يهفو لسماع اخبار
( ع . ج ) الاعسم فسمعت بعد فترة وليتني لم اسمع
، انهم قد كتبوا على ملفه صامد -
اي رافض للتوقيع على الافادة التي كتبوها -
واصعدوه الى محكمة الثورة يوم 15/10
/1982 ( على الارجح ) ، وحكم عليه بالاعدام ، واظن
ان المجرم ابو وداد الذي ينفذ
احكام الاعدام شنقا قد تعلق بجسد ( ع . ج ) عند
شنقه لان وزنه كان خفيفا جدا لايكفي
للموت عند تعليقه فهكذا كان يفعل مع اصحاب
الاوزان الخفيفة على مانسمع .
فسلام عليك ابا احمد يوم ولدت
ويوم استشهدت ويوم تخرج يوم القيامة ملطخا
بدم
الشهادة مؤتزرا اسمالا بالية تكشف اكثر مما
تستر ، فلا اظن ان المجرمين قد كفنوك
ولا غسّلوك او حنّطوك ، ولااظن انهم قد سلموا
جثتك الطاهرة الى ذويك لدفنها كاكثر
مَنْ اعدموا في تلك الفترة .
&nb sp; هنيئا لك تلك الخاتمة عشت
بطلا شامخا ومت شهيدا مرفوع الراس ، ولكنك
تركت قلوب
اخوتك تكاد تنفطر اسى وحزنا تغرورق اعينهم
بالدموع كلما خطرتَ على بالهم لفراقك
وعلى ما قاسيت في شبابك ، وعلى القضية التي
استشهدت من اجلها ، كيف يراد لها ان
تنتهي الى لاشيء ، لكن الله المستعان نعم
المولى ونعم النصير .
سجين
الموقف ورغم مرارة الموقف وحراجته والالام الشديدة التي بجسمي والعجز المؤقت عن
القيام بالحركة الطبيعية ليديّ لتناول الطعام وغيره ، خالجتني رغبة ملحة
بالسؤال عن احبائي واصدقائي ، بل اخوتي في الله الذين اعتقلتم اجهزة الامن قبلي
اعتبارا من نهاية عام 1979 الى بداية عام 1982 وربطتني بهم علاقات مختلفة تمتد
من العمل التنظيمي الاسلامي المشترك الى اللقاء في الجامع الذي كنا نذهب للصلاة
فيه قبل التوتر الشديد الذي حدث عام 1980 في الجامع نتيجة حملة اعتقالات شديدة
طالت حوالي خمسين شابا من المصلين في الجامع ، فامتنعنا بعد ذلك من الذهاب
لذالك الجامع والاكتفاء بالالتقاء باماكن اخرى خارج المساجد عادة ، فبداتُ اسئل
بلهفة عنهم لعلي اجد خبرا عن احدهم ، فذهلت لااحد يعرف ايّا منهم ، لماذا ؟
الموجودون في موقف الامن العامة مر عدد منهم بمديريات امن اخرى فرعية داخل
بغداد كامن الرصافة و الكرخ و الثورة وامن بغداد بالاضافة الى دوائر الامن
الفرعية العديدة وبيوت الامن التابعة لها ، فكيف لم يصادفهم احد ، فقد وجدت ان
اغلب الموجودين جاءوا مؤخرا اي تقريبا في الشهرين الاخيرين ، عجيب 24 زنزانة
ممتلئه بالمتهمين بحزب الدعوة وغيرها من التنظيمات الاسلامية في موقف واحد بعد
ان افرغوه من الموقوفين ، فكم عدد الموقوفين في العراق خلال تلك الشهرين وفي
العراق مئات المواقف؟؟، واين الموقوفين الذين كانوا قبلهم ، قالوا انهم ذهبوا
بما اصطلح عليه بالوجبات ، ماهي الوجبات ؟ والى اين يذهبون بهم ؟، لااحد يعرف .
القلة القليلة من الذين لم يذهبوا في الوجبات كانت قضاياهم غير منتهية من
التحقيق ، اذن مْن اخذوهم هم الذين انتهى التحقيق معهم ، قالوا ان رجال الامن
كانوا ياتون ومعهم قائمة اسماء ومن يقرؤا اسمه يخرج من الزنزانة ويُربِط مع
الباقين بحبل ولكن الى اين ؟ وهو السؤال الاهم خاصة ان بعضهم كانت قضاياهم سهلة
في تصورنا تلك الايام قبل اطلاعنا على مسار محكمة الثورة وكيف يصدر الحكم فيها.
ذكر بعض من تبقى في الموقف ان بعض رجال الامن عادوا الى الموقف بعد فترة من
اخذ احد الوجبات وملابسهم واحذيتهم متسخة يعلوها تراب كثير . كان السؤال يرجع
بنفس الجواب عندما اكرر السؤال لاي شخص في الزنزانة التي كنت فيها او الزنزانة
التي انتقلت اليها لاحقا ونفس الجواب الذي سمعه غيري من اصدقائي الذين التقيت
بهم لاحقا في زنزانات اخرى وهي مفصولة كليا عن بعضها البعض.
بعد صدور الحكم عليَّ من محكمة الثورة العجيبة ذهبت الى سجن ( ابو غريب )
، وبعد ايام على هول المحكمة وصور اخواننا الذين حكم عليهم مسلم الجبوري
بالاعدام جملة عاودني الامل بالسؤال داخل السجن ، سالت من بدأت تمتد بيني
وبينهم اواصر الصداقة والثقة ، ولكن ياللهول اغلب الموجودين هم من المحكومين
حديثا اي بداية عام 1982 وبعضهم عام 1981 وعدد لايكاد يُذكر من عام 1980 ، اذن
اين الباقين ؟ ذهبوا في الوجبات ، ماهي الوجبات ، التي ذهب فيها الموقوفون من
الامن العامة وفي سجن ابوغريب ؟اين يذهبون ؟؟؟ لااحد يعرف .
لم يعد احد من الوجبات على وجه اليقين ، سمعنا انهم دفنوا في الصحراء
القاحلة وسمعنا ان بعضهم فتحوا بهم الالغام على جبهات القتال مع ايران القت بهم
الطائرات على مواضع الالغام ، وسمعنا غيرها من الاخبار التي لانستطيع ان نؤكدها
ولاننفيها ، ولكن السؤال الاهم بقي بلا جواب ، اين ذهبوا ولماذا لم يعد احد
منهم ( باسثناء الدكتور حسين الشهرستاني الذي عاد بعد عشرة سنوات الذي استبان
انهم قد اخذوه لسبب ما ولوحده ولكن في نفس فترة الوجبات ) ، وخاصة بعد مضي
سنوات طويلة لاحقا .
نجا النظام الصدامي من خطر الانهيار على جبهات القتال بعد الهزائم المنكرة
لجيشه خاصة عام 1982و1983 وبدا منذ عام 1985 بمحاولة التخفيف من الضغط النفسي
على اهالى المعتقلين ، كما سمعناه مرة يتحدث الى اعضاء شعبة المامون لحزب البعث
، وبدات معها سلسلة الاشاعات تنتقل الينا من رجال الامن او الندرة القليلة من
الذين كانوا يستطيعون الاحتكاك البسيط بنا لاحضار الطعام الينا اوغيره ، لتبدأ
في داخلي موجة من عذاب وقلق ، اذا خرجت من السجن فسياتي اب وتاتي ام او اخت او
زوجة فلان اوفلان وتسالني اما رايت فلان او فلان ( من ذويهم) ، اما سالت عنه
هناك ، حيث لايستطيع ان ينفذ اليه او منه حتى الذباب، اما سمعت شيئا ، اهو حي
ام ميت ؟ ، ماذا ساُجيب ، سؤال اليائس الذي سئل مرارا وتكرارا ولسنوات ولم يسمع
مايطمئنه ، ولعبت ممارسات رجال الامن باعصابه على مدى سنين ، سؤال الذي يتشبث
بامل ربما اخير . أأقول لهم اني لم اره ، واذكر لهم ماسمعت ؟ واحطم بقايا الامل
الذي عليه يقتاتون ، اشتد قلقي خاصة بعد ان صدر عفو في عام 1986 بمناسبة ولادة
المجرم صدام ، واجرى رجال الامن الاجراءات اللازمة لاطلاق سراحنا من اوراق
و..و..و ، ثم غيروا رايهم في اخر لحظة واستثنوا المحكومين مثلي وفق المادة 156
. مع توالي الاشاعات حول عفو جديد ، وبعد كل عفو كان يصدر وما اكثرها وكلها
كان من المفترض ان يُطلق سراحنا وفقها ، الا انهم كانوا يستثنوننا ، وفق
تعليمات سرية تصل الى السجن ، كان مع هذه السلسلة من الامال باطلاق السراح
يتصاعد في داخلي قلق كبير ، كيف ساجيب عوائل المعتقلين عندما يسالني احد منهم
عن ابنه، فكتبت قصيدة في حينها - ولست بشاعر ولكن ضغط الموقف الحرج فجر كلمات
هي مشاعري القلقة - ضمن قصيدة تتحدث عن العراق والثورة والامل .. جاء فيها
لو دق باب الدار امٌ اوابٌ ولدي بُنيَّ اما رأيت فؤاديا اوما دريت بحاله فلقد مضى طلب العلوم اضعت فيه علوميا ماذا اقول لها وفي خبري لها جسد مُدَلّى يستغيث مناديا ويغاث ان طلب الاغاثة صاعقا من كهرباء بجسمه المتعريا وسياط امن داعبته وانهم قد عذبوه لياليا ولياليا هل اكتم الخبر الصدوق وربما فضحت عيوني ما يقول لسانيا ولان صدقت لها الحديث وهشمت تلك المعاول صدرها المتفانيا تاهت خطاها اغرقت بدموعها لطمت خدودا واحترقت بناري رباه ماهذا الذي قد سمته تلك العجوز وما يكون جوابيا وتمضي سنوات السجن ويطلق سراحي بعد عشرة اعوام بعفو عام عن السجناءالسياسيين ، الذي سبق وانكر النظام مرارا وتكراراأننا سجناء سياسيون ، ولكنها
تداعيات حرب الخليج الثانية التي اجبرته ، وبدأت اواجه الموقف الحرج الذي
اقلقني سنين ، اما رأيت فلان ، اما سمعت عنه ؟ وكان اقسى موقف على قلبي عندما
جاءتني ام احد اعز اصدقائي وكان قد اعتقل قبلي بايام قليلة ، جاءت تبارك لي
خروجي من السجن ، ثم لتنتحي بي جانبا لتسالني عن فلذة كبدها ، كنت اشعر بها
تكاد تضمني الى صدرها لاني بعض من ذكرى ولدها ، بل ربما كانت تتخيلني هو قد عاد
، كنت اوشك ان اقع على يديها اقبلها ، ماذا اجيبها ، أأقول لها انني عدت وتركته
هناك ، أأقول لها ان اخر عهدي به ، عندما فصلونا عن بعضنا البعض لانه خرج من
باب المحكمة الثاني بعد صدور الحكم وانا من باب اخر ، فالتفتُ اليهم ووقعت
عيناي على صديقي ( ع ) جاثٍ على ركبتيه ورجل الامن خلفه ليربط يديه بالقيود ثم
ليسوقه الى زنزانات الاعدام ، الى حبل المشنقة ، اعيا الموقف لساني فلم استطع
النطق فكفاها مااصابها من ازمات نفسية حادة كادت تفقدها عقلها خلال سنوات
الانتظار لولدها الاكبر الذي كانت تنتظره ليكبر فيحمل معها حمل اسرتها الثقيل ،
فاذا يد القدر ، يد ازلام النظام تاخذه منها الى حيث اللاعودة ولما يبلغ الثاني
والعشرين من عمره .
سجين
زفرات هاربة من قفص ذكريات سجين / الحلقة الخامسة
(اعتقالي الاول وقضية عاشق ابي حلا ( ك
خرجت صباح يوم بارد في عام 1981 كالمعتاد ذاهبا الى الجامعة وقبل وصولي الى محطة الباص بامتار استوقفني رجلان مدنيان وسئلا عن هويتي فاعطيتهما هويتي الجامعية وبعد ان نظرا بها قالا تفضل معنا لان الهوية مزورة ولم تكن مزورة طبعا، كانت تقف بالقرب منهما سيارة الفيات جي ايل البيضاء سيئة الصيت لكثرة استعمالها من قبل رجال الامن ولكثرة ما تم اعتقال السياسيين العراقيين بها ، تكلموا في الطريق قليلا حول الهوية وحاولوا تبيان سبب الاعتقال ، كان الكلام يدخل من احدى اذني للخروج من الاخرى لاني اعلم انه اعتقال على خلفية سياسية ، ولم يكن هذا هو المهم ، المهم حاولت ان اتوقع سبب الاعتقال لاتهيء له ، التزمت الصمت ريثما ينجلي الموقف واعرف التهمة الموجهة لى حقا لان كل كلمة قد تضرني وتقدم لهم معلومة مجانية لم يكونوا يعلموا بها ، دخلت الى دائرة امن المنطقة الواقعة على ضفاف نهر دجلة بقيت بها بعض الوقت ربما ساعة او اثنتان لم يتكلموا معي ربطوني بكلبجات ، قضيت الوقت بين التفكير بالاحتمالات لهذا الاعتقال وبالتشاغل بالنظر في اوراق المحاضرات الجامعية التي كانت معي ، نُقِلت بعد ذلك الى مديرية امن لا ادري بالضبط اي مديرية ربما كانت مديرية امن الرصافة او امن بغداد لاادري لاني لااعرف المكان ولم اتبين الطريق لعدم استطاعتي الرؤيا ، دخلت الى مديرية الامن فقاموا بربطي على الدرج ولم يتعرضوا لي بسوء غير الربط ، كان هذا غريبا لاني اعرف كيف يتم التعامل مع المعتقل فتوقعت انه سياتي دور التعذيب والتعامل السيء في وقت اخر ، طلبوني للتحقيق كلمني احدهم قال لي عليك ان تعترف لان خطّّك - يقصد التنظيم - قد انكشف وقد اعترفوا وعليك الاعتراف وهذا افضل لك ، لازال شغلي الشاغل في داخلي معرفة سبب الاعتقال لان هذا الكلام كان في حساباتي مجرد حَجَر في بركة لعله ينطق لساني بما يستفيدون منه ، لم يهزني الكلام ، ولازالوا يعاملونني بغير المتوقع لم يضربني احد ولم يسبني احد ، عجيب ماهذا ؟ ، قال لي احدهم واظنه ضابط انك شاب وفي الجامعة ونريد منك ان تتعاون معنا ، نعطيك مسدسا وراتبا شهريا وتبقى على وضعك الدراسي وتزودنا بالمعلومات ، اجبته بالصمت فاكتفى بجوابي هذا ، ولم يعد الى التاكيد عليه وهذا ما اكد لي ان كلامه حجر اخر في بركة.
تنفست الصعداء نوعا ما عندما وجهوا لي التهمة الحقيقية للاعتقال ، فقد كانت اهون الاحتمالات رغم شدتها ، قالوا انك قد اخذت عتادا لسلاح بندقية كلاشنكوف من ( ك ) كما انه قد اعطاك كمية من مادة ( التيزاب ) ماذا تفعل بها ولماذا ؟؟؟ . اجبتهم ببساطة ان العتاد لاحد اصدقائي من الجيش الشعبي الذي كان لديه نقص في ما في ذمته من عتاد ، والتيزاب لاستعماله في عملية تنظيف مكينة لاحد اصدقائي قد نالها صدأ وان ( ك) هو الذي تبرع بهاتين المادتين بدون طلب مني ، لم يعقبوا على كلامي ولم يرفضوا حجّتي ، ولكن ازداد قلقي ، ماذا لو سالوني عن اسم هذا الصديق من الجيش الشعبي الذي اعطيته العتاد ومَنْ صاحب المكينة الصدئة ، كنت قد هيئت شخصا مع نفسي استعدادا لهكذا احتمال ولكن لله الحمد مر الموقف بلا سؤال منهم والا كان قد انكشف امري وتبين عدم صحة العذر، كان هذا العذر الذي قلته لهم وحتى اسم الشخص الذي هيئته للاجابة على سؤال من هذا الشخص من الجيش الشعبي الذي اعطيته العتاد والتيزاب هو بالنص نفس الكلام الذي كنت قد كنت قلته ل ( ك ) عندما اخذت منه العتاد والتيزاب ، بل عندما جعلته بدون ان يشعر يعرض علي اعطائي العتاد والتيزاب لصديقي المزعوم الذي وقع في ضيق لنقص العتاد لديه ونتيجة للصدأ الذي اصاب المكينة ، طبعا هذا الكلام قبل اعتقاله وقد اعانني جدا عندما اعترف بالتفصيل لماذا ولمن وو - هذا ماذكره لى لاحقا عندما التقيت به لانه اكدت صحة قولي عندهم .
حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ارسل الي ضابط المديرية وربما مدير الامن وقد بدا الالم والتعب يدب بكل جسمي نتيجة جلوسي مربوطا لساعات طويلة على الدرج والجوع والقلق من القادم ، كلمني بكلام اخوي ، ابوي لتطييب خاطري واعطاني حزامي لالبسه واُرتب نفسي لاني ساخرج ، فرحت بحذر بين مصدق ومكذب لما قال ، الى ان خرجت من المديرية و وجدت في هذا جزء من الجواب ، لماذا لم يضربوني بالتحقيق ؟، ولم يسبوني كالمعتاد ؟، واوصلني احد رجال الامن الى بيتي دققت الباب ففتح لي اخي الاكبر الباب وكانت امي تقف خلفه و صرخت بصوت اشبه بالنحيب ( يُمّة وين كنت ، يُمّة شسويت بينة) وكادت تسقط مغشيا عليها مما لحق بها من قلق ، جلست بفرح بين اخواني واخواتي لابين لهم اين كنت و جزء من سبب اعتقالي وهو ان ( ك ) اعترف علي ، اما ماذا اعترف وماذا اجبت فهذا مالم يكن بوسعي ايضاحه لاهلي ، ضحكت كثيرا معهم وتعشيت ونمت هانئا لاحساسي باني قد دخلت تجربة غنية رغم قصرها وبساطتهااعطتني ثقة كبيرة بنفسي مهدت لي الاستمرار بعملي الاسلامي السياسي الذي كنت قد بدات به منذ سنوات ، فقد احسست انني نجحت في الاختبار الاول وعلي الا ستمرار وباصرار، لم يعرف احد من خارج البيت انني اعتقلت نهارا واطلق سراحي ليلا ن فلم ارى في ذلك مصلحة ما .
اعود الى المسكين ( ك ) من يكون ؟ وما هي قصته ؟ وبماذا اعترف علي ولماذا ؟ والاهم من ذلك لماذا اطلق سراحي ؟ ولماذا عاملني وحوش الامن بشكل يعتبر محترما جدا وودودا بل حنونا بالنسبة لما نعرفه عنهم من وحشية مع المعتقلين ، فما قيمة ان اربط لخمسة عشر ساعة على الدرج مع شيء من الارهاب والتهديد والضغط النفسي وبعض الاشياء البسيطة فكل هذا لاشيء لدى هؤلاء الوحوش قياسا الى ما لاقاه المعتقلون في هذه المديرية او غيرها ، اوما قاسيته انا لاحقا في اعتقالي الثاني في مديرية الامن العامة وما شاهدته وسمعت به .
( ك ) شاب مراهق من اقاربي لايعرف عني سوى انني كنت اذهب للصلاة في احد الجوامع قبل تدهور الضروف الامنية ، كان ( ك ) بعيد عن الالتزام الديني يرقص ليلا ونهارا ويتغنى بحب - ابو حلا ( صدام حسين ) - ذهب بارادته متطوعا كاحد افراد الجيش الشعبي الى جبهات القتال ضد ايران رغم صغر سنه لذا احتاجوا الى موافقة اهله لذهابه متطوعا للجبهة ، اعتقل لانه قام بتوزيع منشورات مناهضة للسلطة عام 1981 ، ثم اعتقل ابوه واخته بسبب اعترافاته عليهم واطلق سراحهم بعد ساعات ، ثم اعتقلت انا بسبب اعترافاته ايضا واطلق سراحي كما بيّنت.
في احد ايام عام 1983 في سجن ابو غريب سمح احد رجال الامن بانتقال السجين الذي يرغب بالانتقال الى زنزانة اخرى اذا كان بها احد اقاربه فَفُتِح باب زنزانة رقم 6 في ق1التي كنت بها فاذا ب ( ك ) يدخل ليسال عني قمت اليه فعانقني عناقا حارا وبكى بكاء شديدا على كتفي واخذ يشكي لي وبالم مماعاناه و يعانيه في الموقف والسجن ، وتفاصيل القضية التي حُكم عليها .
لماذا اعتقلت يا ( ك ) وكيف وكيف ... ؟ اسئلة كثيرة اجاب عنها كشفت اللثام عن بعض الامور.
يقول ( ك ) انه كان سكرانا في احد الايام فقام بتوزيع منشورات كتبها بخط يده ضد السلطة ، لماذا ؟؟؟؟ لاجواب فقط لانه كان سكرانا.
عندما القي عليه القبض ونتيجة لاساليب التعذيب في التحقيق اضاف الى الحقيقة - بكونه من كتب ووزع المنشورات - اعترافا كاذبا بانه احد اعضاء حزب الدعوة وانني مسؤوله في التنظيم وان معنا في نفس الحلقة ولدّي الشيخ ( م . السوداني ) ، وكان احدهما ضابطا عسكريا ، كما اعترف على ابيه واخته ولااعرف ماذا قال عنهما بالضبط .
ذهلت عندما سمعت هذا اذن لماذا لم يركز ضابط التحقيق في حينها على اتهامي بالتنظيم ، وكيف اطلق سراحي وبدون تعذيب يُذكر ، ملاحظات تتوضح عند اكمال تجميع اوراق القضية .
ضابط التحقيق لم يكن على مايبدو مقتنعا بالكلام الذي كان يهذي به ( ك ) نتيجة الخوف والتعذيب وكان من المحتمل كما ذكروا له ان يطلقون سراحه ولكن تغيّر الضابط وجاء ضابط اخر اصر على محاكمته فلم يطلق سراحه ، عندما اعتقلوا ابيه واخته اطلقوا سراحهما بعد ساعات لعدم وجود سابق دلائل عليهما وعدم الثقة فيما اعترف به ( ك ) وانكارهم التهم الموجهة اليهم ، لذا اعتقلوهما لمجرد جس النبض ، ثم عندما القوا القبض علي - لم يكن لديهم اي معلومات عن نشاطي السياسي المعارض فالدائرة الامنية التي كان لديها بعض معلومات عني تعود لمديرية امن اخرى غير هذه المديرية وكان التعاون المعلوماتي بين الدوائر الامنية ضعيفا جدا ، وعندما سالوني عن الاشياء التي اعطاني اياها ( ك ) اجبتهم بنفس الجواب الذي ذكره ( ك ) في التحقيق والذي سبق واقنعته به عندما اعطاني تلك الاشياء ، ويبدو انهم لم يشاؤا اضافة خصم جديد بلا مبرر واكتفوا بجس النبض معي وقرصة اذن خفيفة ، اما بالنسبة الى اولاد الشيخ ( م . السوداني ) فلم يلقوا القبض عليهما اصلا وكانا يتمتعان بصورة ايجابية جدا امام السلطات الامنية .
بقي السؤال المحير الاخير اذن لماذا حكم على ( ك) بالسجن المؤبد ، فتهمة القصاصات الورقية - منشورات كتابة يد - التي ثبتت عليه ، تحكمه بمدة مابين 4 الى 7 سنوات وفق المادة 202 على مااتذكر من قانون محكمة الثورة ، فكيف حكم عليه وفق المادة 156 التي كانت تحكم المنتمين الى التنظيمات الاسلامية ، فهل من المعقول انه يحكم عليه باعتباره عضوا في حزب الدعوة ومسؤوله المزعوم وهو انا اطلقوا سراحي حتى بدون محكمة ولم تكن الدائرة الامنية التي رفعت قضيته للمحكمه تعلم باني اعتقلت في مديرية امن اخرى وعلى قضية اخرى ولم يرد اي ذكر لقضية ( ك ) عند التحقيق معي لاحقا في الامن العامة بل لايعلمون اني سبق وان اعتقلت في مديرية امن سابقا ، وباقي اعضاء الخلية - كما زعم لهم - لم يُلقَ عليهم القبض ، هذا يعني انه عضو بحزب الدعوة بدون مسؤول ولا يوجد منْ كَسَبَه للحزب كيف اقتنعت المحكمة بهذا وحكمته بتهمة الانتماء لحزب الدعوة هل هناك حاكم في العالم ومحكمة تحكم بهذا ؟؟؟ لااعتقد ، عفوا نعم هناك محكمة واحدة فقط في العالم اسمها محكمة الثورة في العراق ، حكمت بهذا وباعجب منه ، حكمت على شخص باسم اخر وما اكثر ذ لك ومنهم الشيخ الشهيد حسين معن الذي حكم عليه اولا باسم شخص اخر ثم عرفوا هويته بعد حين فاخذوه الى المحكمة وحكموا عليه باسمه - حسين معن - بالاعدام ، حكمت على اناس بتفجير جسور وغيرها من عمليات لم تقع اصلا والجسور لازالت في مكانها لم تُخدش ، وحكم على اناس بالقيام بتفجيرات ثم حكم على غيرهم بتهمة القيام بالتفجيرات نفسها ، فهذه محكمة العجائب ، واحكامها لاتقبل الاستئناف ، ربما لعظيم الثقة بصحة قراراتها العجيبة وبمدة محاكمة قياسيةلاتتجاوز دقائق بعدد اصابع اليد الواحدة - فنحن في عصر السرعة - والحكم بالاعدام ومن الرقم كذا الى الرقم كذا بلا ذكر اسماء هل سمعتم بمثل هذا بغير محكمة الثورة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
زفرات هاربة من قفص ذكريات سجين / الحلقة السادسة
مديرية الامن العامة والكفاءات الوطنية
لم يكن للحلم المستقبلي في دنياي رغم اني كنت في العشرين من عمري سوى صورة ضبابية ، كنت احلم ككل شاب بمستقبل ما على الصعيد الشخصي ولكن الحلم كان باهتا وغائما وكان - ان وُجِد - لايتعدى المستقبل القريب ، لم تستطع مخيلتي ان تحلم ابعد من بضع سنين وربما اشهر ، حلمت بزوجة ولكني لا اذكر يوما اني حلمت باطفال ، ولم احلم اني انهي دراستي الجامعية رغم اني كنت اتابع دروسي كجزء من واجبي الذي لم يكن الواجب الاول عندي لربما لاحساسي بان ارتحالي قريب وان شباك اجهزة الامن ان ضلت طريقها ولم تصطادني مرات فلن تضل الى مالا نهاية ، الى ان جاء صباح يوم كمثل هذه الايام من الشهر الثالث عام 1982 وبعد انتهاء المحاضرة الاولى في قاعة البكر ( أ ) في كلية طب بغداد وقبل ان تبدا المحاضرة الثانية وجدت احد اصدقائي بجنبي يستحثني للخروج قبل مجيء الاستاذ الدكتور هاني العزاوي استاذ مادة التشريح المزعجة جدا وكان الاستاذ اكثر ازعاجا منها فلم نكن نستطيع ان نتابع معه المادة التي يشرحها الا بتركيز شديد ومن الصعب كتابة محاضرة مباشرة عنه بالاضافة الى اخلاقه الجافَّة لذا كنت واصدقائي والكثير من الطلبة نفضل عدم الحضور لديه وشراء محاضراته مستنسخة من صاحب مكتب الاستنساخ , لكني اعتذرت لصاحبي باني لن اخرج وساحضر المحاضرة ، استغرب صديقي وقال مازحا هل اصبحت مجتهدا وتريد الحضور ، قلت له لن اخرج لاني قررت ان لا اخرج من محاضرة من الان فصاعدا ، ضحكنا وافترقنا هو الى خارج القاعة وانا الى الكرسي لاجلس - لم يكن لدينا تسجيل غيابات في الدروس النظرية لذا لم تكن هناك مشكلة في الغيابات - بعد دقائق من بداية المحاضرة دخل موظف استعلامات القاعة وناول ورقة للاستاذ ، قرأ بها اسمي وقال يرجى حضوري الى معاون العميد احتملت انهم رجال الامن فلاحرمة لما يسمى بالحرم الجامعي لديهم ، كانت القاعة كبيرة لان المحاضرات النظرية كانت لحوالي مئة وخمسين طالب وطالبة ولم اكن - بسبب الحذر الامني - ذو علاقات كثيرة ولايعرف اسمي الكامل الا القليل من الطلبة واغلبهم ان لم يكن جميعهم خارج القاعة او يجلس بعيدا عني ، يعني انه لا توجد مشكلة ان لم اقم فلااحد سيلاحظ وجودي وامتناعي ، كان هنالك خلف اخر صف من الكراسي اعلى المدرج شباكان كبيران لكثرما فكرت ان اهرب منهما ان داهمني رجال الامن لاعتقالي ، ولكن الفرصة الان اسهل للتخلص منهم فلم انهض ، كرر الاسم مرة اخرى فلم انهض ، ثم ثالثة ، لم يكن لدي علم ان احد من اصدقائي الذين تربطني معهم علاقة تنظيمية قد اعتقل حديثا لذا بقيت مترددا ان لم انهض يعني انني اغادر المكان لانتقل الى حياة المطاردين - وكنت اعلم صعوبتها - وسافوت فرصة قدرتي المرنة على الحركة والعطاء بسبب عدم وجود شبهات علي نوعا ما ، والمبرر الى الان ليس كافيا للامتناع والتشرد فماذا لو كان معاون العميد هو الذي يطلبني فعلا ، خاصة ان لدي مسالة ادارية معه ، ثم اني ليس لدي نشاط سياسي داخل الجامعة وحصرت نشاطي خارج اسوارها ، ولاني دخلت الجامعة عام 1980 ، بعد توجيه ضربة قاصمة للحركة الاسلامية في كلية طب بغداد في عام 1979 , 1980 فقد كنت في اقصى درجات الكتمان ، فلم يكن معروفا عني مايثير الشبهات , بل لم يكن معروفا حتى التزامي الديني في الكلية ، حسمت التردد بان اقوم لارى ماذا هناك ، نزلت المدرج بخطى غير مرتبكة الى حيث ينتظرني اثنان غريبان خارج القاعة ، وضع احدهم كفه بكفي ، شبك اصابع احدى يديه باصابع احدى يدي ، احسست كانما يد حديدية كبَّلتني ، ولن استطيع استخلاصها الا اذا خُلِعَت من معصمي فيئست مبكرا من القدرة على الهرب فهي مستحيلة من هذه الكماشة الحديدية ، اذن هو قدري الذي كان بانتظاري فاهلا وسهلا به استسلمت له وسلمت امري لله ، فهذا درب احبتي الذين ساروا به قبلي .
بعد لحظات كنت في سيارة الامن التي كانت تقف امام مدخل القاعة ولتُوضع القيود - مايسمى بالجامعة - في يدي ، ثم شدوا عصابة على عيني ، واسرع احدهم الى قلب ياقة السترة التي ارتديها ليبحث عن شيء ما، واظنه كان يبحث عن حبوب للانتحار يحتمل ان اكون اخفيها هناك ، سالني احد الجلاوزة عن البنت التي يزعم اني تحرشت بها موحيا لي ان الاعتقال من اجل ذلك ، لااذكر انني اجبته فهذا القول اقرب للمزحة السمجة منها الى الحقيقة ، فعقلي كان يبحث عن السبب لهذا الاعتقال ، ماذا هناك ؟ .
بعد قليل كنا على ابواب مدينة للامن - علمت لاحقا انها مديرية الامن العامة - اجتزنا نقاط سيطرة عديدة وصعدنا عدة طوابق تخللتها ارشادات وهمية حول صعود ونزول وهميين . لأستقر بعد قليل في ممر ، ثم لأدخل بعد فترة قصيرة الى غرفة التحقيق .
الرائد عامر - وهذا اسم مستعار - عرفني مشكورا اين انا ، اجلسني على كرسي جنب طاولة متواضعة ، قال لي انت الان في الشعبة الخامسة في مديرية الامن العامة / شعبة مكافحة النشاط الديني ، يقولون لكم اننا نستعين بكوادر اجنبية ولكن كما ترى كلها كفاءات وطنية ، وانا اشهد انها كانت كوادر عراقية صرفة ذات كفاءة عالية في الاجرام والتعذيب لم تصل الى هذا المستوى الا بعد جهد كبير وبعد ان صُرِفَت عليها الملايين من ثروة العراق .
بعد تقديم لائحة الاتهام بالانتماء الى حزب الدعوة وطلب الاعتراف والادلاء بباقي المعلومات التي اعرفها فهذا افضل لي - كما يزعم - انكرت التهمة فاذا به ينادي على احد اخوتي في التنظيم ليدخل ويدلي باعترافه علي ، ثم يدخل الثاني ، ثم الثالث ، مازق كبير كيف الخروج منه انكرت التهم فلم اجد نفسي بعد لحظات خاطفة الا وانا معلق من يديَّ الى الخلف في كلاب حديدي ضخم مدلى من السقف عارٍ من كل ملابسي الا من بلوزة كنت ارتديها تحت السترة قام احدهم بشقها من الرقبة الى الصدر بعد ذلك ، كيف حدث هذا بسرعة البرق ، لاادري .
وليبدا الحفل كما يسميها كادرنا الامني الوطني العراقي - حفل التعذيب ، او التحقيق فكلاهما مسمى لشيء واحد - وسناتي على ذكر تفاصيل هذا الحفل في الحلقة القادمة .
سجين
21/2/2003